أشار إلى تدرج حالها في زيادة الضعف، فكأنه لم يعين ضعفين بل كأنه قال حملته أمه والضعف يتزيد بعد الضعف إلى أن ينقضي أمره، وقرأ عيسى الثقفي «وهنا على وهن» بفتح الهاء، ورويت عن أبي عمرو وهما بمعنى واحد، وقرأ جمهور الناس «وفصاله» ، وقرأ الحسن وأبو رجاء والجحدري ويعقوب «وفصله» ، وأشار ب «الفصال» إلى تعديد مدة الرضاع فعبر عنه بغايته، والناس مجمعون على العامين في مدة الرضاع في باب الأحكام والنفقات، وأما في تحريم اللبن فحددت فرقة بالعامين لا زيادة ولا نقص، وقالت فرقة العامان وما اتصل بهما من الشهر ونحوه إذا كان متصل الرضاع في حكم واحد يحرم، وقالت فرقة إن فطم الصبي قبل العامين وترك اللبن فإن ما شرب بعد ذلك في الحولين لا يحرم، وقوله تعالى: أَنِ اشْكُرْ يحتمل أن يكون التقدير «بأن اشكر» ، ويحتمل أن تكون مفسرة، وقال سفيان بن عيينة من صلى الصلوات الخمس فقد شكر الله تعالى. ومن دعا لوالديه في دبر الصلوات فقد شكرهما، وقوله تعالى: إِلَيَّ الْمَصِيرُ توعد أثناء الوصية، وقوله تعالى: وَإِنْ جاهَداكَ الآية روي أن هاتين الآيتين نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص وذلك أن أمه حمنة بنت أبي سفيان بن أمية لما أسلم حلفت أن لا تأكل ولا تشرب حتى يفارق دينه ويرجع إلى دين قومه فلج سعد في الإسلام، وكانت هي إذا أفرط عليها الجوع والعطش شحوا فاها، ويروى شجروا فاها، أي فتحوه بعود ونحوه وصبوا ما يرمقها، فلما طال ذلك ورأت أن سعدا لا يرجع أكلت، ففي هذه القصة نزلت الآيات، قاله سعد بن أبي وقاص والجماعة من المفسرين.
قال الفقيه الإمام القاضي: فمطلب الآية الأولى الأمر ببر الوالدين وتعظيمه، ثم حكم بأن ذلك لا يكون في الكفر والمعاصي، وجملة هذا الباب أن طاعة الوالدين لا تراعى في ركوب كبيرة ولا في ترك فريضة على الأعيان، وتلزم طاعتهما في المباحات وتستحسن في ترك الطاعات الندب، ومنه أمر جهاد الكفاية والإجابة للأم في الصلاة مع إمكان الإعادة، على أن هذا أقوى من الندب لكن يعلل بخوف هلكة عليها ونحوه مما يبيح قطع الصلاة، فلا يكون أقوى من الندب، وخالف الحسن في هذا الفصل فقال إن منعته أمه من شهود العشاء الآخرة شفقة فلا يطعها، وقوله وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً يعني الأبوين الكافرين أي صلهما بالمال وادعهما برفق، ومنه قول أسماء بنت أبي بكر الصديق للنبي صلى الله عليه وسلم وقد قدمت عليها خالتها، وقيل أمها من الرضاعة، فقالت: يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها؟ قال نعم. وراغبة قيل معناه عن الإسلام.
قال الفقيه الإمام القاضي: والأظهر عندي أنها راغبة في الصلة وما كانت لتقدم على أسماء لولا حاجتها، ووالدة أسماء هي قتيلة بنت عبد عزى بن عبد أسعد وأم عائشة وعبد الرحمن هي أم رومان قديمة الإسلام.
وقوله تعالى: وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ، وصية لجميع العالم كأن المأمور الإنسان، وأَنابَ معناه، مال ورجع إلى الشيء، وهذه سبيل الأنبياء والصالحين، وحكى النقاش أن المأمور سعد والذي أناب أبو بكر، وقال: إن أبابكر لما أسلم أتاه سعد وعبد الرحمن بن عوف وعثمان وطلحة وسعيد والزبير فقالوا آمنت؟ قال نعم، فنزلت فيه أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ [الزمر: ٩] فلما سمعها الستة آمنوا فأنزل الله