قرأ أبو البرهسم «سلاما عليك» بالنصب، واختلف أهل العلم في معنى تسليمه عليه، فقال بعضهم هي تحية مفارق وجوزوا تحية الكافر وأن يبدأ بها. وقال الجمهور: ذلك التسليم بمعنى المسالمة لا بمعنى التحية، قال الطبري معناه أمنة مني لك، وهذا قول الجمهور وهم لا يرون ابتداء الكافر بالسلام، وقال النقاش: حليم خاطب سفيها كما قال، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما، ورفع السلام بالابتداء وجاز ذلك مع نكرته لأنها نكرة مخصصة فقربت من المعرفة ولأنه في موضع المنصوب الذي هو سلمت سلاما وهذا كما يجوز ذلك في ما هو في معنى الفاعل كقولهم شرّ أهرّ ذا ناب، هذا مقال سيبويه. وقوله تعالى سَأَسْتَغْفِرُ معناه سأدعو الله تعالى في أن يهديك فيغفر لك بإيمانك وهذا أظهر من أن يتأول على إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم أنه لم يعلم أن الله لا يغفر لكافر، وقد يجوز أن يكون إبراهيم عليه السلام أول نبي أوحي إليه أن لا يغفر لكافر، لأن هذه العقيدة إنما طريقها السمع، فكانت هذه المقالة منه لأبيه قبل أن يوحى إليه ذلك، وإبراهيم عليه السلام إنما تبين له في أبيه أنه عدو الله بأحد وجهين إما بموته على الكفر كما روي وإما بأن أوحي إليه تعسف الحتم عليه، وقال مكي عن السدي: أخره بالاستغفار إلى السحر، وهذا تعسف، وإنما ذكر ذلك في أمر يعقوب وبنيه وأما هذا فوعد باستغفار كثير مؤتنف فالسين متمكنة.
و «الحفي» ، المبتهل المتلطف وهذا شكر من إبراهيم لنعم الله تعالى عليه، ثم أخبره أنه يعتزلهم أي يصير عنهم بمعزل، ويروى أنهم كانوا بأرض كوثا فرحل إبراهيم عليه السلام حتى نزل الشام وفي سفرته تلك لقي الجبار الذي أخدم هاجر بسارة الحديث بطوله، وتَدْعُونَ بمعنى تعبدون، وقوله عَسى، ترج، في ضمنه خوف شديد، وقوله فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ إلى آخر الآية، إخبار من الله تعالى لمحمد عليه السلام أنه لما رحل عن بلد أبيه وقومه عوضه الله من ذلك ابنه إِسْحاقَ وابنه يَعْقُوبَ وجعل له الولد تسلية وشدا لعضده، وإِسْحاقَ أصغر من إسماعيل، ولما حملت هاجر بإسماعيل غارت سارة فحملت ب إِسْحاقَ هذا فيما روي، وقوله وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا يريد العلم والمنزلة والشرف في الدنيا والنعيم في الآخرة، كل ذلك من رحمة الله، و «لسان الصدق» هو الثناء الباقي عليهم آخر الأبد، قاله ابن عباس. واللسان في كلام العرب المقالة الذائعة كانت في خير أو شر ومنه قول الشاعر:[البسيط]
إني أتتني لسان لا أسر بها ... من علو لا كذب فيها ولا سخر