يَحْكُمُونَ
، ما
مصدرية، والتقدير: ساء الحكم حكمهم.
قوله عز وجل:
[سورة الجاثية (٤٥) : الآيات ٢٢ الى ٢٤]
وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٢٢) أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣) وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٢٤)
وَخَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ معناه: بأن خلقها حق واجب متأكد في نفسه لما فيه من فيض الخيرات ولتدل عليه ولتكون صنعة حاكمة لصانع وقيل لبعض الحكماء: لم خلق الله السماوات والأرض؟ قال ليظهر جوده. واللام في قوله: لِتُجْزى يظهر أن تكون لام كي، فكأن الجزاء من أسباب خلق السماوات، ويحتمل أن تكون لام الصيرورة أي صار الأمر فيها من حيث اهتدى بها قوم وضل عنها آخرون لأن يجازى كل أحد بعلمه وبما اكتسب من خير أو شر.
وقوله تعالى: أَفَرَأَيْتَ سهل بعض القراء الهمزة وخففها قوم، وكذلك هي في مصحف ابن مسعود مخففة، وفي مصحف أبي بن كعب: «أفرأيت» دون همز. وهذه الآية تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم عن المعرضين عن الإيمان، أي لا تعجل بهم ولا تهتم بأمرهم، فليس فيهم حيلة لبشر، لأن الله تعالى أضلهم. وقال ابن جبير: قوله: إِلهَهُ هَواهُ إشارة إلى الأصنام إذ كانوا يعبدون ما يهوون من الحجارة.
وقال قتادة المعنى: لا يهوى شيئا إلا ركبه، لا يخاف الله، وهذا كما يقال: الهوى إله معبود.
وقرأ الأعرج وابن جبير: «آلهة هواه» على التأنيث في «آلهة» .
وهذه الآية وإن كانت نزلت في هوى الكفر فهي متناولة جميع هوى النفس الأمارة، قال ابن عباس:
ما ذكر الله هوى إلا ذمة. وقال الشعبي: سمي هوى لهويه بصاحبه. وقال النبي عليه السلام: والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله وقال سهل التستري: هواك داؤك، فإن خالفته فدواؤك. وقال سهل: إذا شككت في خير أمرين، فانظر أبعدهما من هواك فأته. ومن حكمة الشعر في هذا قول القائل:
إذا أنت لم تعص الهوى قادك ال ... هوى إلى كل ما فيه عليك مقال
وقوله تعالى: عَلى عِلْمٍ قال ابن عباس المعنى: على علم من الله تعالى سابق. وقالت فرقة: أي على علم من هذا الضال بأن الحق هو الذي يترك ويعرض عنه، فتكون الآية على هذا من آيات العناد من نحو قوله: وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ [النمل: ١٤] وعلى كلا التأويلين: ف عَلى عِلْمٍ، حال.
وقوله تعالى: وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً استعارات كلها، إذ هو الضال لا ينفعه ما يسمع ولا ما يفهم ولا ما يرى، فكأنه بهذه الأوصاف المذكورة، وهذه الآية لا حجة للجبرية فيها،