للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجملة إذا اتبعت النكرات فهي صفة لها وإذا اتبعت المعارف فهي أحوال منها، وقوله وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا رد على فرقة منهم كانوا يستبعدون أن يبعث الله من البشر رسولا يشف على نوعه من البشر بهذا القدر من الفضل، فمثل الله تعالى في الرد عليهم بمن سبق من الرسل من البشر، وقرأ الجمهور «يوحى» على بناء الفعل للمفعول، وقرأ حفص عن عاصم «نوحي» بالنون، ثم أحالهم على سؤال أَهْلَ الذِّكْرِ من حيث لم يكن عند قريش كتاب ولا إثارة من علم، واختلف الناس في أَهْلَ الذِّكْرِ من هم، فروى عبد الله بن سلام أنه قال أنا من أهل الذكر، وقالت فرقة هم أهل القرآن.

قال القاضي أبو محمد: وهذا موضع ينبغي أن يتأمل، وذلك أن الذكر هو كل ما يأتي من تذكير الله تعالى عباده فأهل القرآن أهل ذكر، وهذا ما أراد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأما المحال على سؤالهم في هذه الآية فلا يصح أن يكونوا أهل القرآن في ذلك الوقت لأنهم كانوا خصومهم، وإنما أحيلوا على سؤال أخبار أهل الكتاب من حيث كانوا موافقين لهم على ترك الإيمان بمحمد عليه السلام فتجيء شهادتهم بأن الرسل قديما من البشر لا مطعن فيها لازمة لكفار قريش وقوله تعالى: وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً قيل الجسد من الأشياء يقع على ما لا يتغذى، ومنه قوله تعالى: عِجْلًا جَسَداً [الأعراف: ١٤٨] .

فمعنى هذا ما جعلناهم أجسادا لا تتغذى، وقيل الجسد يعم المتغذي وغير المتغذي. والمعنى ما جعلناهم أجسادا وجعلناهم مع ذلك لا يأكلون الطعام كالجمادات أو كالملائكة، ف جَعَلْناهُمْ جَسَداً على التأويل الأول منفي، وعلى الثاني موجب، والنفي واقع على صفته. وقوله تعالى: لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ كناية عن الحدث، ثم نفى عنهم الخلد لأنه من صفات القديم وكل محدث فغير خالد في دار الدنيا.

قوله عز وجل:

[سورة الأنبياء (٢١) : الآيات ٩ الى ١٢]

ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (٩) لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠) وَكَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَأَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ (١١) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ (١٢)

هذا وعيد في ضمن وصفه تعالى سيرته في الأنبياء من أنه يصدق مواعيدهم فكذلك يصدق لمحمد عليه السلام ولأصحابه ما وعدهم من النصر وظهور الكلمة وقوله تعالى: وَمَنْ نَشاءُ معناه من المؤمنين بهم، و «المسرفون» الكفار المفرطون في غيهم وكفرهم وكل من ترك الإيمان مفرط مسرف، ثم وبخهم تعالى بقوله: لَقَدْ أَنْزَلْنا الآية و «الكتاب» القرآن. وقوله تعالى: فِيهِ ذِكْرُكُمْ يحتمل أن يكون في الذكر الذي أنزله الله تعالى إليكم بأمر دينكم وآخرتكم ونجاتكم من عذابه، فأضاف الذكر إليهم حيث هو في أمرهم ويحتمل أن يريد فيه شرفكم وذكركم آخر الآية. كما تذكر عظام الأمور، وفي هذا تحريض ثم تأكد التحريض بقوله أَفَلا تَعْقِلُونَ وحركهم ذلك إلى النصر، ثم مثل لهم على جهة التوعد بمن سلف من الأمم المعذبة، وكَمْ للتكثير وهي في موضع نصب ب قَصَمْنا ومعناه أهلكنا، وأصل القصم الكسر في الأجرام فإذا استعير للقوم أو القرية ونحوه فهو

<<  <  ج: ص:  >  >>