هذه الآية تضمنت عرض الأسوة التي ينبغي الاقتداء بها على محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وترجيته أن يأتيه مثل ما أتاهم من النصر إذا امتثل ما امتثلوه من الصبر، قال الضحاك وابن جريج:
عزى الله بهذه الآية نبيه، وروي عن ابن عامر أنه قرأ «وأذوا» بغير واو بعد الهمزة، ثم قوى ذلك الرجاء بقوله: وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ أي لا راد لأمره وكلماته السابقات بما يكون ولا مكذب لما أخبر به، فكأن المعنى فاصبر كما صبروا وانتظر ما يأتي وثق بهذا الإخبار فإنه لا مبدل له، فالقصد هنا هذا الخبر وجاء اللفظ عاما جميع كلمات الله السابقات، وأما كلام الله عز وجل في التوراة والإنجيل فمذهب ابن عباس أنه لا مبدل لها وإنما حرفها اليهود بالتأويل لا ببدل حروف وألفاظ، وجوز كثير من العلماء أن يكونوا بدلوا الألفاظ لأنهم استحفظوها وهو الأظهر، وأما القرآن فإن الله تعالى تضمن حفظه فلا يجوز فيه التبديل، قال الله تعالى: وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: ٩] وقال في أولئك بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ [المائدة: ٤٤] وقوله تعالى: وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ أي فيما أنزلناه وقصصناه عليك ما يقضي هذا الذي أخبرناك به، وفاعل جاءَكَ مضمر على ما ذهب إليه الطبري والرماني، تقديره ولقد جاءك نبأ أو أنباء.
قال القاضي أبو محمد: والثواب عندي في المعنى أن يقدر جلاء أو بيان، وقال أبو علي الفارسي:
قوله مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ، في موضع رفع ب «جاء» ، ودخل حرف الجر على الفاعل، وهذا على مذهب الأخفش في تجويزه دخول من في الواجب، ووجه قول الرماني أن من لا تزاد في الواجب، وقوله تعالى: وَإِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ الآية، آية فيها إلزام الحجة للنبي صلى الله عليه وسلم وتقسيم الأحوال عليه حتى يبين أن لا وجه إلا الصبر والمضي لأمر الله تعالى، والمعنى إن كنت تعظم تكذيبهم وكفرهم على نفسك وتلتزم الحزن عليه فإن كنت تقدر على دخول سرب في أعماق الأرض أو على ارتقاء سلم في السماء فدونك وشأنك به، أي إنك لا تقدر على شيء من هذا، ولا بد لك من التزام الصبر واحتمال المشقة ومعارضتهم بالآيات التي نصبها الله تعالى للناظرين المتأملين، إذ هو لا إله إلا هو لم يرد أن يجمعهم على الهدى، وإنما أراد أن ينصب من الآيات ما يهتدي بالنظر فيه قوم ويضل آخرون، إذ خلقهم على الفطرة وهدى السبيل وسبقت رحمته غضبه، وله ذلك كله بحق ملكه فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ في أن تأسف وتحزن على أمر أراده الله وأمضاه وعلم المصلحة فيه.