روي في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت عليه: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ [الشعراء: ٢١٤] قال: «يا صفية بنت عبد المطلب، ويا فاطمة بنت محمد لا أملك لكما من الله شيئا سلاني من مالي ما شئتما» ، ثم صعد الصفا فنادى بطون قريش:«يا بني فلان، يا بني فلان» ، وروي أنه صاح بأعلى صوته:«يا صباحاه» فاجتمعوا إليه من كل وجه، فقال لهم:«أرأيتم لو قلت لكم إني أنذركم خيلا بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، قال: فإني نذير بين يدي عذاب شديد، فقال أبو لهب:
تبا لك سائر اليوم، ألهذا، جمعتنا» ؟ فافترقوا عنه ونزلت السورة، وتَبَّتْ معناه: خسرت، والتباب:
الخسار والدمار، وأسند ذلك إلى اليدين من حيث اليد موضع الكسب والربح وضم ما يملك، ثم أوجب عليه أنه قد تب أي حتم ذلك عليه، ففي قراءة عبد الله بن مسعود:«تبت يدا أبي لهب وقد تب» ، و «أبو لهب» : هو عبد العزى بن عبد المطلب، وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن سبقت له الشقاوة، وقرأ ابن كثير وابن محيصن:«أبي لهب» بسكون الهاء، وقرأ الباقون: بتحريك الهاء، ولم يختلفوا في فتحها في ذاتَ لَهَبٍ، وقوله تعالى: ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ يحتمل أن تكون ما نافية، ويكون الكلام خبرا عن أن جميع أحواله الدنياوية لم تغن عنه شيئا حين حتم عذابه بعد موته، ويحتمل أن تكون ما استفهاما على وجه التقرير أي أين الغناء الذي لماله ولكسبه؟ وَما كَسَبَ: يراد به عرض الدنيا من عقار ونحوه، أو ليكون الكلام دالا على أنه أتعب فيه نفسه لم يجئه عفوا لا بميراث وهبة ونحوه، وقال كثير من المفسرين: المراد ب ما كَسَبَ بنوه، فكأنه قال: ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وولده، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«خير ما كسب الرجل من عمل يده وإن ولد الرجل من كسبه» ، وروي أن أولاد أبي لهب اختصموا عند ابن عباس فتنازعوا وتدافعوا، فقام ابن عباس ليحجز بينهم، فدفعه أحدهم، فوقع على فراشه، وكان قد كف بصره فغضب وصاح: أخرجوا عني الكسب الخبيث، وقرأ الأعمش وأبي بن كعب:«وما اكتسب» وقوله: سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ حتم عليه بالنار وإعلام بأنه يوافي على