أول الحشر وإنا على الأثر» . وقال عكرمة والزهري وغيرهما: المعنى لِأَوَّلِ موضع الْحَشْرِ وهو الشام، وذلك أن أكثر بني النضير جاءت إلى الشام، وقد روي أن حشر القيامة هو إلى بلد الشام وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبني النضير «اخرجوا» ، قالوا: إلى أين؟ قال:«إلى أرض المحشر» ، وقال قوم في كتاب المهدوي: المراد الْحَشْرِ في الدنيا الذي هو الجلاء والإخراج، فهذا الذي فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني النضير أوله، والذي فعل عمر بن الخطاب بأهل خيبر آخره، وأخبرت الآية بمغيب وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بجلاء أهل خيبر، ويحتمل أن يكون آخر الحشر في قول النبي عليه السلام في مرضه:«لا يبقين دينان في جزيرة العرب» ، فإن ذلك يتضمن إجلاء بقاياهم قال الخليل في ما حكى الزجاج: سميت جزيرة لأنه أحاط بها بحر الحبشة وبحر فارس ودجلة والفرات، وفي هذه الإحاطة نظر.
وقوله تعالى: ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا معناه: لمنعتهم وكثرة عددهم، فلم تكن آمالكم وظنونكم تنتهي إلى أنهم يخرجون ويدعون أموالهم لكم، وبحسب ذلك من المنعة والعدد والتحصن ظنوا هم أن لن يقدر عليهم وقوله تعالى: مِنَ اللَّهِ يريد: من جند الله حزب الله وقوله تعالى: فَأَتاهُمُ اللَّهُ عبارة عن إظهاره تعالى المسلمين عليهم وإلقائهم في حيز الهزم والذل. وقرأ الجمهور:«الرعب» بسكون العين، وقرأ أبو جعفر وشيبة، بضم العين، واختلف المتأولون في معنى قوله تعالى: يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ، فقال الضحاك والزجاج وغيره: كلما هدم المسلمون من حصنهم في القتال هدموا هم من البيوت وخربوا الحصون دأبا فهذا معنى تخريبهم. وقال الزهراوي وغيره كانوا لما أبيح لهم ما تستقل به الإبل لا يدعون خشبة حسنة ولا نجافا ولا سارية إلا قلعوه وخربوا البيوت عنه، وقوله تعالى: وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ من حيث فعلهم، وكفرهم داعية إلى تخريب المؤمنين بيوتهم، فكأنهم قد خربوها هم بأيدي المؤمنين. وقال جماعة من المفسرين: إنهم لما أزمعوا الجلاء شحوا على ترك البيوت سليمة للمؤمنين فهدموا وخربوا لمعنى الإفساد على من يأتي. قال قتادة: خرب المؤمنون من خارج ليدخلوا وخربوهم من داخل. وقرأ جمهور القراء:«يخربون» بسكون الخاء وتخفيف الراء. وقرأ أبو عمرو وحده والحسن بخلاف عنه وقتادة وعيسى بفتح الخاء وشد الراء. فقال فريق من العلماء اللغويين القراءتان بمعنى واحد وقال أبو عمرو بن العلاء: خرب، معناه: هدم وأفسد وأخرب معناه ترك الموضع خرابا وذهب عنه، ثم نبه تعالى المؤمنين وغيرهم ممن له أن ينظر على نصرة رسوله وصنعه له فيمن حاده وناوأه بقوله تعالى: فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ أي العيون والأفهام.