هذه السورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من الحديبية، وفي ذلك أحاديث كثيرة عن أنس وابن مسعود وغيرهما تقتضي صحته وهي بهذا في حكم المدني. وقال الزهراوي عن مجاهد وعن ابن عباس: إنها نزلت بالمدينة، والأول أصح، ويشبه أن منها بعضا نزل بالمدينة، وأما صدر السورة ومعظمها فكما قلنا، ويقضي بذلك قول النبي عليه السلام لعمر وهما في تلك السفرة:«لقد نزلت عليّ الليلة سورة هي أحب إليّ من الدنيا وما فيها» .
قال القاضي أبو محمد: ذكر مكي هنا أن المعنى بشرط أن تبقى الدنيا ولا تفنى، وفي هذا نظر.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج في تلك الوجهة ليعتمر بمكة، فصده المشركون، القصة المشهورة سنة ست من الهجرة.
قال قوم فيما حكى الزهراوي فَتَحْنا لَكَ يريد به فتح مكة، وحكاه الثعلبي أيضا، ونسبه النقاش إلى الكلبي. وأخبره تعالى به على معنى: قضينا به. والفتاح: القاضي بلغة اليمن، وقيل المراد: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ بأن هديناك إلى الإسلام ليغفر. وقال جمهور الناس: والصحيح الذي تعضده قصة الحديبية أن قوله: إِنَّا فَتَحْنا لَكَ إنما معناه: إن ما يسر الله لك في تلك الخرجة فتح مبين تستقبله، ونزلت السورة مؤنسة للمؤمنين، لأنهم كانوا استوحشوا من رد قريش لهم ومن تلك المهادنة التي هادنهم النبي عليه السلام فنزلت السورة مؤنسة لهم في صدهم عن البيت ومذهبه: ما كان في قلوبهم، ومنه حديث عمر الشهير وما قاله للنبي عليه السلام ولأبي بكر واستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلك السفرة أنه هادن عدوه ريثما يتقوى هو، وظهرت على يديه آية الماء في بئر الحديبية حيث وضع فيه سهمه وثاب الماء حتى كفى الجيش، واتفقت بيعة الرضوان وهي الفتح الأعظم، قاله جابر بن عبد الله والبراء بن عازب. وبلغ هديه محله، قاله الشعبي واستقبل فتح خيبر، وامتلأت أيدي المؤمنين خيرا، ولم يفتحها إلا أهل الحديبية ولم يشركهم فيها أحد.