للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتحدثون بغزو العرب المدينة وبأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيغلب، ونحو هذا مما يرجفون به نفوس المؤمنين، فيحتمل أن تكون هذه الأصناف مفترقة بعضها من بعض، ويحتمل أن تكون داخلة في جملة المنافقين، لكنه نص على هاتين الطائفتين وهو قد ضمهم عموم لفظة النفاق تنبيها عليهم وتشريدا بهم وغضا منهم، و «نغرينك» معناه نحضك عليهم بعد تعيينهم لك، قال ابن عباس المعنى لنسلطنك عليهم، وقال قتادة لنحرشنك بهم، وقوله تعالى: ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها أي بعد الإغراء لأنك تنفيهم بالإخافة والقتل، وقوله إِلَّا قَلِيلًا يحتمل أن يريد إلا جوارا قليلا أو وقتا قليلا، ويحتمل أن يريد إلا عددا قليلا، كأنه قال إلا أقلاء، وقوله تعالى: مَلْعُونِينَ يجوز أن ينتصب على الذم قاله الطبري، ويجوز أن يكون بدلا من أقلاء الذي قدرناه قبل في أحد التأويلات، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في يُجاوِرُونَكَ كأنه قال ينتفون ملعونين، فلما تقدر لا يُجاوِرُونَكَ تقدير ينتفون، حسن هذا، واللعنة الإبعاد، وثُقِفُوا معناه حصروا وقدر عليهم، وأُخِذُوا معناه أسروا، والأخيذ الأسير ومنه قول العرب أكذب من الأخيذ الصيحان، وقرأ جمهور الناس «وقتّلوا» بشد التاء، ويؤيد هذا المصدر بعدها، وقرأت فرقة بتخفيف التاء والمصدر على هذه القراءة على غير قياس، قال الأعمش كل ما في القرآن غير هذا الموضع فهو «قتلوا» بالتخفيف، وقوله تعالى: سُنَّةَ اللَّهِ نصب على المصدر، ويجوز فيه الإغراء على بعد، والَّذِينَ خَلَوْا هم منافقو الأمم وقوله وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا أي من مغالب يستقر تبديله فيخرج على هذا تبديل العصاة والكفرة، ويخرج عنه أيضا ما يبدله الله من سنة بسنّة بالنسخ.

قوله عز وجل:

[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٦٣ الى ٦٨]

يَسْئَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً (٦٣) إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (٦٤) خالِدِينَ فِيها أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٦٥) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يا لَيْتَنا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا (٦٦) وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا (٦٧)

رَبَّنا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (٦٨)

سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الساعة متى هي فلم يجب في ذلك بشيء، ونزلت الآية آمرة بأن يرد العلم فيها إلى الله تعالى إذ هي من مفاتيح الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها، ثم توعد العالم بقربها في قوله وَما يُدْرِيكَ الآية، أي فينبغي أن تحذر، وقَرِيباً ظرف لفظه واحد جمعا، وإفرادا، ومذكرا ومؤنثا، ولو كان صفة للساعة لكان قريبة، ثم توعد تعالى الْكافِرِينَ بعذاب لا ولي لهم منه ولا ناصر، وقوله تعالى: يَوْمَ يجوز أن يكون متعلقا بما قبله والعامل يَجِدُونَ، وهذا تقدير الطبري، ويجوز أن يكون العامل فيه يَقُولُونَ ويكون ظرفا للقول.

وقرأ الجمهور «تقلّب وجوههم» على المفعول الذي لم يسم فاعله بضم التاء وشد اللام المفتوحة، وقرأ أبو حيوة «تقلب» بفتح التاء بمعنى تتقلب، وقرأ ابن أبي عبلة «تتقلب» بتاءين، وقرأ خارجة وأبو حيوة «نقلب» بالنون، وقرأ عيسى بن عمر الكوفي «تقلب» بكسر اللام وضم التاء أي تقلب السعير. وبنصب الوجوه في

<<  <  ج: ص:  >  >>