وأخبر بسقوط حقوق الله عنه بقوله تعالى: فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ واختلف الناس في معنى الآية فقال قتادة والزهري في كتاب الاشراف: ذلك لأهل الشرك.
قال القاضي أبو محمد: من حيث رأيا الوعيد بعد العقاب، وهذا ضعيف، والعلماء على أن الآية في المؤمنين وأن المحارب إذا تاب قبل القدرة عليه فقد سقط عنه حكم الحرابة ولا نظر للإمام فيه إلا كما ينظر في سائر المسلمين، فإن طلبه أحد بدم نظر فيه وأقاد منه إذا كان الطالب وليا، وكذلك يتبع بما وجد عنده من مال الغير وبقيمة ما استهلك من الأموال، هذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي ذكره ابن المنذر، وقال قوم من الصحابة والتابعين: إنه لا يطلب من المال إلا بما وجد عنده بعينه، وأما ما استهلك فلا يطلب به، وذكر الطبري ذلك عن مالك من رواية الوليد بن مسلم عنه، وهو الظاهر من فعل علي بن أبي طالب بحارثة بن بدر الغداني فإنه كان محاربا ثم تاب قبل القدرة عليه فكتب له بسقوط الأموال والدم كتابا منشورا، وحكى الطبري عن عروة بن الزبير أنه قال: لا تقبل توبة المحارب، ولو قبلت لاجترؤوا وكان فساد كثير ولكن لو فر إلى العدو ثم جاء تائبا لم أر عليه عقوبة.
قال القاضي أبو محمد: لا أدري هل أراد ارتد أم لا، وقال الأوزاعي نحوه إلا أنه قال: إذا لحق بدار الحرب فارتد عن الإسلام أو بقي عليه ثم جاء تائبا من قبل أن يقدر عليه قبلت توبته.
قال القاضي أبو محمد: والصحيح من هذا كله مذهب الفقهاء الذي قررته آنفا أن حكم الحرابة يسقط ويبقى كسائر المسلمين، واختلف إذا كان المال أقل مما يقطع فيه السارق، فقال مالك: ذلك كالكثير، وقال الشافعي وأصحاب الرأي: لا يقطع من المحاربين إلا من أخذ ما يقطع فيه السارق.
هذه الآية وعظ من الله تعالى بعقب ذكر العقوبات النازلة بالمحاربين، وهذا من أبلغ الوعظ لأنه يرد على النفوس وهي خائفة وجلة، وعادة البشر إذا رأى وسمع أمر ممتحن ببشيع المكاره أن يرق ويخشع، فجاء الوعظ في هذه الحال، ابْتَغُوا معناه اطلبوا، والْوَسِيلَةَ القربة وسبب النجاح في المراد، ومن ذلك قول عنترة لامرأته:
إن الرجال لهم إليك وسيلة ... أن يأخذوك تكحلي وتخضبي
وأما الوسيلة المطلوبة لمحمد صلى الله عليه وسلم فهي أيضا من هذا، لأن الدعاء له بالوسيلة