للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التجارات والسفر فيها وما يمنح الله فيها من الأرباح والمن، وقال الطبري: المخر في اللغة صوت هبوب الريح ولم يقيد ذلك بكون في ماء، وقال إن من ذلك قول واصل مولى ابن عيينة إذا أراد أحدكم البول فليتمخر الريح أي لينظر في صوتها في الأجسام من أين تهب، فيتجنب استقبالها لئلا ترد عليه بوله، وقوله وَلِتَبْتَغُوا عطف على تأكلوا، وهذا ذكر نعمة لها تفاصيل لا تحصى، فيه إباحة ركوب البحر للتجارة وطلب الأرباح، وهذه ثلاثة أسباب في تسخير البحر، وقوله وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ الآية، قال المتأولون أَلْقى بمعنى خلق وجعل.

قال القاضي أبو محمد: وهي عندي أخص من خلق وجعل، وذلك أن أَلْقى تقتضي أن الله أحدث الجبال ليس من الأرض لكن من قدرته واختراعه، ويؤيد هذا النظر ما روي في القصص عن الحسن عن قيس بن عباد، أن الله تعالى لما خلق الأرض، وجعلت تمور، فقالت الملائكة ما هذه بمقرة على ظهرها أحدا، فأصبحت ضحى وفيها رواسيها. و «الرواسي» الثوابت، رسا الشيء يرسو إذا ثبت، ومنه قول الشاعر في صفة الوتد:

وأشعث أرسته الوليدة بالفهد وأَنْ مفعول من أجله، و «الميد» الاضطراب، وقوله أَنْهاراً منصوب بفعل مضمر تقديره وجعل أو وخلق أنهارا.

قال القاضي أبو محمد: وإجماعهم على إضمار هذا الفعل دليل على خصوص ل أَلْقى ولو كانت أَلْقى بمعنى خلق لم يحتج إلى هذا الإضمار، و «السبل» الطرق، وقوله لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ في مشيكم وتصرفكم في السبل، ويحتمل لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ بالنظر في هذه المصنوعات على صانعها، وهذا التأويل هو البارع، أي سخر وألقى وجعل أنهارا وسبلا لعل البشر يعتبر ويرشد ولتكون علامات.

قوله عز وجل:

[سورة النحل (١٦) : الآيات ١٦ الى ٢١]

وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٧) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨) وَاللَّهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ (١٩) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠)

أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْياءٍ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٢١)

عَلاماتٍ نصب على المصدر، أي فعل هذه الأشياء لعلكم تعتبرون بها وَعَلاماتٍ أي عبرة وإعلاما في كل سلوك، فقد يهتدى بالجبال والأنهار والسبل، واختلف الناس في معنى قوله وَعَلاماتٍ على أن الأظهر عندي ما ذكرت، فقال ابن الكلبي «العلامات» الجبال، وقال إبراهيم النخعي ومجاهد:

«العلامات» النجوم، ومنها ما سمي علامات ومنها ما يهتدى به، وقال ابن عباس: «العلامات» معالم الطرق بالنهار، والنجوم هداية الليل.

<<  <  ج: ص:  >  >>