ذَرَأَ معناه بث ونشر، والذرية من هذا في أحد الأقوال في اشتقاقها، وقوله أَلْوانُهُ معناه أصنافه، كما تقول هذه ألوان من التمر ومن الطعام، ومن حيث كانت هذه المبثوثات في الأرض أصنافا فأعدت في النعمة وظهر الانتفاع بها أنه على وجوه، ولا يظهر ذلك من حيث هي متلونة حمرة وصفرة وغير ذلك، ويحتمل أن يكون التنبيه على اختلاف الألوان حمرة وصفرة والأول أبين. وقوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ الآية تعديد نعم، وتسخير البحر هو تمكين البشر من التصرف فيه وتذليله للركوب والإرفاق وغيره، والْبَحْرَ الماء الكثير ملحا كان أو عذبا، كله يسمى بحرا، والْبَحْرَ هنا اسم جنس، وإذا كان كذلك فمنه أكل اللحم الطري ومنه «استخراج الحلية» ، و «أكل اللحم» يكون من ملحه وعذبه، وإخراج الحلية إنما يكون فيما عرف من الملح فقط، ومما عرف من ذلك اللؤلؤ والمرجان والصدف والصوف البحري، وقد يوجد في العذب لؤلؤ لا يلبس إلا قليلا، وإنما يتداوى به، ويقال إن في الزمرد بحريا وقد خطىء الهذلي في وصف الدرة. [الطويل]
فجاء بها من درة لطمية ... على وجهها ماء الفرات يدوم
فجعلها من الماء الحلو.
قال القاضي أبو محمد: وتأمل أن قوله يخرج على أنه وصف بريقها ومائيتها فشبهه بماء الفرات، ولم يذهب إلى الغرض الذي خطىء فيه، و «اللحم الطري» ، و «الحلية» ما تقدم، والْفُلْكَ هنا جمع، ومَواخِرَ جمع ماخرة، والمخر في اللغة الصوت الذي يكون من هبوب الريح على شيء يشق أو يصعب في الجملة الماء فيترتب منه أن يكون من السفينة ونحوها وهو في هذه الآية من السفن، ويقال للسحاب بنات مخر تشبيها، إذ في جريها ذلك الصوت الذي هو عن الريح والماء الذي في السحاب، وأمرها يشبه أمر البحر على أن الزجاج قد قال: بنات المخر سحاب بيض لا ماء فيها، وقال بعض اللغويين المخر في كلام العرب الشق يقال: مخر الماء الأرض.
قال القاضي أبو محمد: فهذا بين أن يقال فيه للفلك مَواخِرَ، وقال قوم مَواخِرَ معناه تجيء وتذهب بريح واحدة، وهذه الأقوال ليست تفسير اللفظة، وإنما أرادوا أنها مواخر بهذه الأحوال، إذ هي موضع النعمة المعددة، إذ نفس كون الفلك ماخرة لا نعمة فيه، وإنما النعمة في مخرها بهذه الأحوال في