هذه السورة مكية. إلا قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ [القصص: ٨٥] ، نزلت هذه بالجحفة في وقت هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، قاله ابن سلام وغيره، وقال مقاتل: فيها من المدني الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ [القصص: ٥٢] إلى قوله لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ [القصص: ٥٥] .
تقدم القول في الحروف التي في أوائل السور بما أغنى عن الإعادة، فمن قال إن هذه الحروف من أسماء الله تعالى قال إن الطاء من الطول الذي لله تعالى والسين من السلام والميم من المنعم أو الرحيم ونحو هذا، وقوله تعالى: تِلْكَ يتقدر موضعها بحسب كل قول من الأقوال في الحروف، فمن جعل طسم مثالا لحروف المعجم جاءت الإشارة ب تِلْكَ إلى حروف المعجم، ومن قطعها قال تِلْكَ في موضع هذه، وساغ هذا من حيث لم تكن حاضرة عتيدة بل هي أقوال ينقضي بعضها شيئا فشيئا فسائغ أن يقال في الإشارة إليها تِلْكَ.
قال القاضي أبو محمد: والأصل أن تِلْكَ إشارة إلى ما غاب و «هذه» إشارة إلى ما حضر، وقد تتداخل متى كان في الغيبة حصول وثقة به تقوم مقام الحضور- ومتى كان في الحضور بعد ما يقوم مقام الغيبة فمن ذلك قوله تعالى وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى [طه: ١٧] لما كان موسى لا يرى ربه تعالى، فهو وعصاه في منزل غيب، فساغ ذلك، ومن النقيض قول المؤلف لكتاب ونحوه هذا كتاب وما جرى هذا المجرى فتتبعه فهو كثير فيشبه في آياتنا هذه أن تكون تِلْكَ بمنزلة هذه آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ، ويشبه أن تكون متمكنة من حيث الآيات كلها وقت هذه المخاطبة لم تكن عتيدة، ونَتْلُوا معناه نقص ونتابع القصص، وخص تعالى بقوله لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ من حيث هم المنتفعون بذلك دون غيرهم فخصوا تشريفا، وعَلا فِي الْأَرْضِ من علو الطغيان والتغلب، وقوله فِي الْأَرْضِ يريد في أرض مصر وموضع ملكه،