ما كان حصل في نفوسهم من علم كتب الله تعالى فبغى بعضهم على بعض، أداهم ذلك إلى اختلاف الرأي وافتراق الكلمة والكلمة السابقة: قال المفسرون: هي حتمه تعالى القضاء بأن مجازاتهم إنما تقع في الآخرة، فلولا ذلك لفصل بينهم في الدنيا وغلب المحق على المبطل.
وقوله تعالى: وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ إشارة إلى معاصري محمد صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى، وقيل هي إشارة إلى العرب. والْكِتابَ: هو القرآن. والضمير في قوله: لَفِي شَكٍّ يحتمل أن يعود على الْكِتابَ، أو على محمد، أو على الأجل المسمى، أي في شك من البعث على قول من رأى الإشارة إلى العرب، ووصف الشك ب مُرِيبٍ مبالغة فيه.
اللام في قوله: فَلِذلِكَ قالت فرقة: هي بمنزلة إلى، كما قال تعالى: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها [الزلزلة:
٥] أي إليها، كأنه قال: فإلى ما وصى به الأنبياء من التوحيد فَادْعُ، وقالت فرقة: بل هي بمعنى من أجل كأنه قال: فمن أجل أن الأمر كذا ولكونه كذا فَادْعُ أنت إلى ربك وبلغ ما أرسلت به. وخوطب عليه السلام بأمر الاستقامة، وقد كان مستقيما، بمعنى: دم على استقامتك، وهكذا الشأن في كل مأمور بشيء هو متلبس به إنما معناه الدوام، وهذه الآية ونحوها كانت نصب عين النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت شديدة الموقع من نفسه، أعني قوله تعالى: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ [هود: ١١٢] لإنها جملة تحتها جميع الطاعات وتكاليف النبوءة، وفي هذا المعنى قال عليه السلام: شيبتني هود وأخواتها، فقيل له: لم ذلك؟
فقال: لأن فيها فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ [هود: ١١٢] وهذا الخطاب له عليه السلام بحسب قوته في أمر الله تعالى وقال هو لأمته بحسب ضعفهم استقيموا.
وقوله تعالى: وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ يعني قريشا فيما كانوا يهوونه من أن يعظم آلهتهم وغير ذلك، ثم أمره تعالى أن يؤمن بالكتب المنزلة قبله من عند الله، وهو أمر يعم سائر أمته.
وقوله تعالى: وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ قالت فرقة: اللام في لِأَعْدِلَ يمعنى: أن، التقدير: بأن أعدل بينكم. وقالت فرقة المعنى: وأمرت بما أمرت به من التبليغ والشرع لكي أعدل بينكم، فحذف من الكلام ما يدل الظاهر عليه.
وقوله: لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ إلى آخر الآية منسوخ ما فيه من موادعة بآية السيف.