هذا تأكيد لأمر الرسالة وشد لأزرها كما يقول الإنسان لأمر يثبته ويقويه أنا فعلته، أي فمن يقدر على معارضته فليعارض، والرسول المشار إليه محمد صلى الله عليه وسلم، وقوله تعالى: عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ لفظ يصلح للعموم وأن يكون المعنى أو لا يبقى موضع فيه دين غير الإسلام، وهذا لا يكون إلا عند نزول عيسى ابن مريم، قاله مجاهد وأبو هريرة، ويحتمل أن يكون المعنى أن يظهره حتى لا يوجد دين إلا الإسلام أظهر منه، وهذا قد كان ووجد، ثم ندب تعالى المؤمنين وحضهم على الجهاد بهذه التجارة التي بينها، وهي أن يعطي المرء نفسه وماله، ويأخذ ثمنا جنة الخلد. وقرأ جمهور القراء والناس:«تنجيكم» بتخفيف النون وكسر الجيم دون شد، وقرأ ابن عامر وحده والحسن والأعرج وابن أبي إسحاق:«تنجّيكم» بفتح النون وشد الجيم، وقوله تعالى: تُؤْمِنُونَ لفظه الخبر ومعناه الأمر أي آمنوا، وفي مصحف عبد الله بن مسعود:
«أليم آمنوا بالله ورسوله وجاهدوا» ، وقوله تُؤْمِنُونَ فعل مرفوع تقديره ذلك أنه تؤمنون، وقال الأخفش:
هو عطف بيان على تِجارَةٍ، قال المبرد: هو بمعنى آمنوا على الأمر ولذلك جاء يَغْفِرْ مجزوما، وقوله تعالى: ذلِكُمْ أشار إلى الجهاد والإيمان، وخَيْرٌ هنا يحتمل أن يكون للتفضيل، فالمعنى من كل عمل، ويحتمل أن يكون إخبارا، أن هذا خير في ذاته ونفسه، وانجزم قوله يَغْفِرْ على الجواب للأمر المقدر في تُؤْمِنُونَ، أو على ما يتضمنه قوله: هَلْ أَدُلُّكُمْ من الحض والأمر وإلى نحو هذا ذهب الفراء، وروي عن أبي عمرو بن العلاء أنه قرأ:«يغفلكم» بإدغام الراء في اللام ولا يجيز ذلك سيبويه وقوله تعالى: وَمَساكِنَ عطف على جَنَّاتٍ، وطيب المساكن سعتها وجمالها، وقيل طيبها المعرفة بدوام أمرها، وهذا هو الصحيح، وأي طيب مع الفناء والموت.
قوله تعالى: وَأُخْرى قال الأخفش هي في موضع خفض على تِجارَةٍ [الصف: ١٠] ، وهذا قول قلق، قد رد عليه ناس، واحتج له آخرون، والصحيح ضعفه، لأن هذه «الأخرى» ليست مما دل عليه إنما هي مما أعطى ثمنا وجزاء على الإيمان والجهاد بالنفس والمال، وقال الفراء: وَأُخْرى في موضع رفع، وقال قوم: إن أُخْرى، في موضع نصب بإضمار فعل، كأنه قال: يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ [الصف: ١٢] ويمنحكم أخرى، وهي النصر والفتح القريب، وقرأ ابن أبي عبلة «نصرا من الله وفتحا» ، بالنصب فيهما، ووصفها تعالى بأن النفوس تحبها من حيث هي عاجلة في الدنيا، وقد وكلت