قوله عز وجل: لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ.
حكاية لما فعله بعض قريش كأبي جهل، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن في المسجد الحرام ويصغي إليه الناس من مؤمن وكافر، فخشي الكفار استمالة القلوب بذلك، فقالوا: متى قرأ محمد فلنلغط نحن بالمكاء والصفير والصياح وإنشاد الشعر والإرجاز حتى يخفى صوته ولا يقع الاستماع منه، وهذا الفعل منهم هو اللغو. وقال أبو العالية أرادوا: قعوا فيه وعيبوه. واللغو في اللغة: سقط القول الذي لا معنى له، وهو من الخساسة والبطول في حكم لا معنى له.
وقرأ جمهور الناس: «والغوا» بفتح الغين وجزم الواو. وقرأ بكر بن حبيب السهمي: «الغوا» بضم الغين وسكون الواو، ورويت عن عيسى وابن أبي إسحاق بخلاف عنهما وهما لغتان، يقال لغا يلغو، ويقال لغى يلغي، ويقال أيضا لغى يلغى، أصله يفعل بكسر العين، فرده حرف الحلق إلى الفتح، فالقراءة الأولى من يلغى، والقراءة الثانية من يلغو، قاله الأخفش.
وقوله: لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ أي تطمسون أمر محمد عليه السلام وتميتون ذكره وتصرفون القلوب عنه، فهذه الغاية التي تمنوها.
قوله عز وجل:
[سورة فصلت (٤١) : الآيات ٢٧ الى ٣٠]
فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٢٨) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ (٢٩) إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠)
وقوله تعالى: فَلَنُذِيقَنَّ الفاء دخلت على لام القسم، وهي آية وعيد لقريش. والعذاب الشديد:
هو عذاب الدنيا في بدر وغيرها. والجزاء بأسوأ أعمالهم: هو عذاب الآخرة.
وقوله تعالى: ذلِكَ إشارة إلى الجزاء المتقدم.. و: جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ خبر الابتداء.
و: النَّارُ بدل من قوله: جَزاءُ أَعْداءِ ويجوز أن يكون: ذلِكَ خبر ابتداء تقديره: الأمر ذلك، ويكون قوله: جَزاءُ أَعْداءِ ابتداء، و: النَّارُ خبره.
وقوله: لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ أي موضع البقاء ومسكن العذاب الدائم، فالظرفية في قوله: فِيها متمكنة على هذا التأويل، ويحتمل أن يكون المعنى: هب لهم دار الخلد، ففي قوله: فِيها معنى التجريد كما قال الشاعر:
وفي الله إن لم ينصفوا حكم عدل