للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً

[القصص: ٨٣] ومِنَ الْمُهْلَكِينَ يريد بالغرق.

قوله عز وجل:

[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٤٩ الى ٥١]

وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٤٩) وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ (٥٠) يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (٥١)

الْكِتابَ التوراة، ولَعَلَّهُمْ يريد بني إسرائيل لأن التوراة إنما نزلت بعد هلاك فرعون والقبط، والترجي في «لعل» في حيز البشر أي كان من فعلنا معهم ما يرجو معه ابن آدم إيمانهم وهداهم والقضاء قد حتم بما حتم، وابْنَ مَرْيَمَ، عيسى عليه السلام وقصتهما كلها آية عظمى بمجموعها وهي آيات مع التفصيل وأخذها من كلا الوجهين متمكن، و «آوى» معناه ضم واستعمل اللفظة في الأماكن أي أقررناهما، و «الربوة» المرتفع من الأرض، وقرأ جمهور الناس «ربوة» بضم الراء، وقرأ عاصم وابن عامر بفتحها وهي قراءة الحسن وأبي عبد الرحمن، وقرأ ابن عباس ونصر عن عاصم بكسرها، وقرأ محمد بن إسحاق «رباوة» بضم الراء، وقرأ الأشهب العقيلي بفتحها، وقرأت فرقة بكسرها وكلها لغات قرىء بها، و «القرار» ، التمكن فمعنى هذا أنها مستوية بسيطة للحرث والغراسة قاله ابن عباس، وقال قتادة «القرار» هنا الحبوب والثمار، ومعنى الآية أنها من البقاع التي كملت خصالها فهي أهل أن يستقر فيها وقد يمكن أن يستقر على الكمال في البقاع التي ماؤها آبار فبين بعد أن ماء هذه الربوة يرى معينا جاريا على وجه الأرض قاله ابن عباس وهذا كمال الكمال، و «المعين» ، الظاهر الجري للعين فالميم زائدة وهو الذي يعاين جريه لا كالبئر ونحوه، وكذلك أدخل الخليل وغيره هذه اللفظة في باب. ع، ي، ن، وقد يحتمل أن تكون من قولهم معن الماء إذا كثر، ومنه قولهم المعن المعروف والجود، فالميم فاء الفعل، وأنشد الطبري على هذا قول عبيد بن الأبرص:

واهية أو معين ممعن ... وهضبة دونها لهوب

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله هاجر لو تركت زمزم لكانت عينا معينا، وهذا يحتمل الوجهين، وهذه الربوة هي الموضع الذي فرت إليه مريم حين استحيت في قصة عيسى عليه السلام وهو الذي قيل لها فيه قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا [مريم: ٢٤] هذا قول بعض المفسرين واختلف الناس في موضع الربوة فقال ابن المسيب سعيد: هي الغوطة بدمشق وهذا أشهر الأقوال لأن صفة الغوطة أنها ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ على الكمال، وقال أبو هريرة هي الرملة من فلسطين وأسنده الطبري عن كريب البهزي عن النبي عليه السلام، ويعارض هذا القول أن الرملة ليس يجري بها ماء البتة وذكره الطبري وضعف القول به، وقال كعب الأحبار «الربوة» بيت المقدس وزعم أن في التوراة أن بيت المقدس أقرب الأرض إلى السماء وأنه يزيد على أعلى الأرض ثمانية عشر ميلا. ع ويترجح أن «الربوة» بيت لحم من بيت المقدس لأن ولادة عيسى هنالك كانت، وحينئذ كان الإيواء، وقال ابن زيد «الربوة» بأرض مصر وذلك أنها ربا يجيء فيض النيل إليها فيملأ الأرض ولا ينال تلك الربا وفيها القرى وبها نجاتها ع ويضعف هذا القول أنه لم يرو أن عيسى عليه السلام ومريم كانا بمصر ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>