للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زكرياء لما حملت زوجة منه يحيى أصبح لا يستطيع أن يكلم أحدا، وهو مع ذلك يقرأ التوراة ويذكر الله، فإذا أراد مقاولة أحد لم يطقه، ويحتمل على هذا أن يكون قوله اجْعَلْ لِي آيَةً معناه علامة أعرف بها أن الحمل قد وقع، وبذلك فسر الزجاج. ومعنى قوله سَوِيًّا فيما قال الجمهور صحيحا من غير علة ولا خرس، وقال ابن عباس أيضا ذلك عائد على «الليالي» أراد كاملات مستويات، وقوله فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ المعنى أن الله تعالى أظهر الآية بأن خرج زكرياء من محرابه وهو موضع مصلاة، والْمِحْرابِ أرفع المواضع والمباني إذ هي تحارب من ناوأها ثم خص بهذا الاسم مبنى الصلاة، وكانوا يتخذونها فيما ارتفع من الأرض، واختلف الناس في اشتقاقه، فقالت فرقة: هو مأخوذ من الحرب كأن ملازمه يحارب الشيطان والشهوات، وقالت فرقة: هو مأخوذ من الحرب بفتح الراء كأن ملازمه يلقى منه حربا وتعبا ونصبا، وفي اللفظ بعد هذا نظر. وقوله فَأَوْحى قال قتادة وابن منبه: كان ذلك بإشارة، وقال مجاهد: بل بأن كتبه في التراب.

قال القاضي أبو محمد: وكلا الوجهين وحي. وقوله أَنْ سَبِّحُوا، أَنْ مفسرة بمعنى «أي» ، وسَبِّحُوا قال قتادة: معناه صلوا، والسبحة الصلاة، وقالت فرقة: بل أمرهم بذكر الله وقول سبحان الله.

وقرأ طلحة «أن سبحوه» بضمير، وباقي الآية بين ويقال «وحي وأوحى» بمعنى واحد.

قوله عز وجل:

[سورة مريم (١٩) : الآيات ١٢ الى ١٥]

يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (١٢) وَحَناناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا (١٣) وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا (١٤) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (١٥)

المعنى فولد له وقال الله تعالى للمولود يا يَحْيى، وهذا اختصار ما يدل الكلام عليه.

والْكِتابَ التوراة بلا اختلاف لأنه ولد قبل عيسى ولم يكن الإنجيل موجودا عند الناس. وقوله بِقُوَّةٍ أي العلم به والحفظ له والعمل به والالتزام للوازمه ثم أخبر الله تعالى فقال وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا، واختلف في الْحُكْمَ، فقالت فرقة الأحكام والمعرفة بها، وصَبِيًّا يريد شابا لم يبلغ حد الكهول.

وقال الحسن الْحُكْمَ النبوءة، وفي لفظة صبي على هذا تجوز واستصحاب حال، وقالت فرقة الْحُكْمَ الحكمة، وروى معمر في ذلك أن الصبيان دعوه وهو طفل إلى اللعب فقال إني لم أخلق للعب فتلك الحكمة التي آتاه الله عز وجل وهو صبي أهم لذاته اللعب. وقال ابن عباس: من قرأ القرآن من قبل أن يحتلم فهو ممن «أوتي الحكم صبيا» ، وقوله وَحَناناً عطف على قوله الْحُكْمَ وَزَكاةً عطف عليه، أعمل في جميع ذلك آتَيْناهُ، ويجوز أن يكون قوله وَحَناناً عطفا على قوله صَبِيًّا، أي وبحال حنان منا وتزكية له والحنان الرحمة والشفقة والمحبة قاله جمهور المفسرين، وهو تفسير اللغة. وهو فعل من أفعال النفس ويقال حنانك وحنانيك، فقيل هما لغتان بمعنى واحد، وقيل حنانيك تثنية الحنان. وقال عطاء بن أبي رباح حَناناً مِنْ لَدُنَّا بمعنى تعظيما من لدنا. والحنان في كلام العرب أيضا ما عظم من الأمور في ذات الله تعالى، ومنه قول زيد بن عمرو بن نفيل في خبر بلال بن رباح «والله لئن قتلتم هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>