المعنى قيل له بإثر دعائه يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ يولد لك اسْمُهُ يَحْيى وقرأ الجمهور «بشّرك» بفتح الباء وكسر الشين مشددة، وقرأ أصحاب ابن مسعود «نبشرك» بسكون الباء وضم الشين، قال قتادة: سمي يَحْيى لأن الله أحياه بالنبوءة والإيمان، وقال بعضهم سمي بذلك لأن الله أحيا له الناس بالهدى. وقوله سَمِيًّا معناه في اللغة لم نجعل له مشاركا في هذا الاسم، أي لم يتسم قبل ب يَحْيى وهذا قول قتادة وابن عباس وابن أسلم والسدي، وقال مجاهد وغيره سَمِيًّا معناه مثلا ونظيرا وهذا كأنه من المساماة والسمو، وفي هذا بعد لأنه لا يفضل على إبراهيم وموسى اللهم إلا أن يفضل في خاص بالسؤود والحصر. وقال ابن عباس معناه لم تلد العواقر مثله. وقول زكرياء أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ اختلف الناس فيه فقالت فرقة: إنما كان طلب الولي دون تخصيص ولد فلما بشر بالولد استفهم عن طريقه مع هذه الموانع منه، وقالت فرقة: إنما كان طلب الولد وهو بحال يرجو الولد فيها بزواج غير العاقر أو تسرّ، ولم تقع إجابته إلا بعد مدة طويلة صار فيها إلى حال من لا يولد له فحينئذ استفهم وأخبر عن نفسه ب الْكِبَرِ والعتو فيه. وقالت فرقة: بل طلب الولد فلما بشر به لحين الدعوة تفهم على جهة السؤال لا على جهة الشك كيف طريق الوصول إلى هذا وكيف نفذ القدر به؟ لا أنه بعد عنده هذا في قدرة الله. و «العتي» و «العسي» المبالغة في الكبر أو يبس العود أو شيب الرأس أو عقيدة ما ونحو هذا، وقرأ حمزة والكسائي «عتيا» بكسر العين والباقون بضمها، وقرأ ابن مسعود «عتيا» بفتح العين، وحكى أبو حاتم أن ابن مسعود قرأ «عسيا» بضم العين وبالسين وحكاها الداني عن ابن عباس أيضا، وحكى الطبري عن ابن عباس أنه قال: ما أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر ولا أدري أكان يقرأ عِتِيًّا أو «عسيا» بالسين.
وحكى الطبري عن السدي أنه قال: نادى جبريل زكرياء إن الله يبشرك بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى فلقيه الشيطان فقال له إن ذلك الصوت لم يكن لملك وإنما كان لشيطان فحينئذ قال زكرياء أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ، ليثبت أن ذلك من عند الله، و «زكريا» هو من ذرية هارون عليه السلام، وقال قتادة: جرى له هذا الأمر وهو ابن بضع وسبعين سنة وقيل ابن سبعين وقال الزجاج: ابن خمس وستين فقد كان غلب على ظنه أنه لا يولد له.
وقوله قالَ كَذلِكَ قيل إن المعنى قال له الملك كَذلِكَ فليكن الوجود كما قيل لك قالَ رَبُّكَ خلق الغلام عَلَيَّ هَيِّنٌ، أي غير بدع فكما خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وأخرجتك من عدم إلى وجود كذلك أفعل الآن، وقال الطبري: معنى قوله كَذلِكَ أي الأمران اللذان ذكرت من المرأة العاقر والكبرة هو كَذلِكَ ولكن قالَ رَبُّكَ قال القاضي والمعنى عندي قال الملك كَذلِكَ أي على هذه الحال قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ. وقرأ الجمهور «وقد خلقتك» ، وقرأ حمزة والكسائي «وقد خلقناك» . وقوله وَلَمْ تَكُ شَيْئاً أي موجودا، قال زكرياء رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً علامة أعرف بها صحة هذا وكونه من عندك. وروي أن زكرياء عليه السلام لما عرف ثم طلب الآية بعد ذلك عاقبة الله تعالى بأن أصابه بذلك السكوت عن كلام الناس، وذلك وإن لم يكن عن مرض خرس أو نحوه ففيه على كل حال عقاب. ما روي عن ابن زيد أن