يحضرون عند النبي عليه السلام فيسمعون كلامه وتلاوته، فإذا خرجوا قال بعضهم لمن شاء من المؤمنين الذين عملوا وانتفعوا ماذا قالَ آنِفاً فكان منهم من يقول هذا استخفافا، أي ما معنى ما قال وما نفعه وما قدره؟ ومنهم من كان يقول ذلك جهالة ونسيانا، لأنه كان في وقت الكلام مقبلا على فكرته في أمر دنياه وفي كفره، فكان القول يمر صفحا، فإذا خرج قال: ماذا قالَ آنِفاً، وهذا أيضا فيه ضرب من الاستخفاف، لأنه كان يصرح أنه كان يقصد الإعراض وقت الكلام، ولو لم يكن ذلك بقصد لم يبعد أن يجري على بعض المؤمنين. وروي أن عبد الله بن مسعود وابن عباس ممن سئل هذا السؤال، حكاه الطبري عن ابن عباس.
وقرأ الجمهور:«آنفا» على وزن فاعل، وقرأ ابن كثير وحده:«أنفا» على وزن فعل، وهما اسما فاعل من ائتنف، وجريا على غير فعلهما، وهذا كما جرى فقير على افتقر ولم يستعمل فقر، وهذا كثير، والمفسرون يقولون:«أنفا» معناه: الساعة الماضية القريبة منا، وهذا تفسير بالمعنى.
ثم أخبر تعالى أنه طَبَعَ على قلوب هؤلاء المنافقين الفاعلين لهذا، وهذا الطبع يحتمل أن يكون حقيقة، ويحتمل أن يكون استعارة وقد تقدم القول فيه.
لما ذكر تعالى المنافقين بما هم أهله من قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ [محمد: ١٦] عقب ذلك بذكر المؤمنين ليبين الفرق، وشرفهم بإسناد فعل الاهتداء إليهم وهي إشارة إلى تكسبهم.
وقوله تعالى: زادَهُمْ هُدىً يحتمل أن يكون الفاعل في زادَهُمْ الله تعالى، والزيادة في هذا المعنى تكون إما بزيادة التفهيم والأدلة، وإما بورود الشرائع والنواهي والأخبار فيزيد الاهتداء لتزيد علم ذلك كله والإيمان به وذلك بفضل الله تعالى، ويحتمل أن يكون الفاعل في: زادَهُمْ قول المنافقين واضطرابهم، لأن ذلك مما يتعجب المؤمن منه ويحمد الله على إيمانه، ويتزيد بصيرة في دينه، فكأنه قال:
المهتدون والمؤمنون زادهم فعل هؤلاء المنافقين هدى، أي كانت الزيادة بسببه، فأسند الفعل إليه، وقالت فرقة: إن هذه الآية نزلت في قوم من النصارى، آمنوا بمحمد فالفاعل في: زادَهُمْ محمد عليه السلام كان سبب الزيادة فأسند الفعل إليه. وقوله على هذا القول: اهْتَدَوْا يريد في إيمانهم بعيسى عليه السلام ثم زادَهُمْ محمد هُدىً حين آمنوا به. والفاعل في آتاهُمْ يتصرف بحسب التأويلات المذكورة، وأقواها أن الفاعل الله تعالى. وَآتاهُمْ معناه: أعطاهم، أي جعلهم متقين له، فالتقدير: تقواهم إياه.