للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمنزلة قوله تعالى: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ [البقرة: ٨٥] ويحتمل أن يكون هؤُلاءِ بدلا أو صفة ويكون الخبر حاجَجْتُمْ وعلى مذهب الكوفيين حاجَجْتُمْ، صلة لأولاء والخبر في قوله: فَلِمَ تُحَاجُّونَ ومعنى قوله تعالى: فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ أي على زعمكم، وإنما المعنى فيما تشبه فيه دعواكم، ويكون الدليل العقلي لا يرد عليكم وفسر الطبري هذا الموضع بأنه فيما لهم به علم من جهة كتبهم وأنبائهم مما أيقنوه وثبت عندهم صحته.

قال الفقيه الإمام: وذهب عنه رحمه الله أن ما كان هكذا فلا يحتاج معهم فيه إلى محاجة، لأنهم يجدونه عند محمد صلى الله عليه وسلم، كما كان هنالك على حقيقته، وباقي الآية بين.

قوله تعالى:

[سورة آل عمران (٣) : الآيات ٦٧ الى ٦٨]

ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرانِيًّا وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٦٧) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (٦٨)

أخبر الله تعالى في هذه الآية، عن حقيقة أمر إبراهيم، فنفى عنه اليهودية والنصرانية والإشراك الذي هو عبادة الأوثان، ودخل في ذلك الإشراك الذي تتضمنه اليهودية والنصرانية، وجاء ترتيب النفي على غاية الفصاحة، نفى نفس الملل وقرر الحالة الحسنة، ثم نفى نفيا بين به أن تلك الملل فيها هذا الفساد الذي هو الشرك، وهذا كما تقول: ما أخذت لك مالا بل حفظته، وما كنت سارقا، فنفيت أقبح ما يكون في الأخذ.

ثم أخبر تعالى إخبارا مؤكدا أن أولى الناس بإبراهيم الخليل عليه السلام هم القوم الذين اتبعوه على ملته الحنيفية.

قال الفقيه الإمام أبو محمد: وهنا يدخل كل من اتبع الحنيفية في الفترات وَهذَا النَّبِيُّ محمد صلى الله عليه وسلم لأنه بعث بالحنيفية السمحة، والنَّبِيُّ في الإعراب نعت أو عطف بيان، أو بدل، وفي كونه بدلا نظر، وَالَّذِينَ آمَنُوا يعني بمحمد صلى الله عليه وسلم وسائر الأنبياء على ما يجب دون المحرفين المبدلين، ثم أخبر أن الله تعالى وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ، وعدا منه لهم بالنصر في الدنيا والنعيم في الآخرة، و «الحنيف» مأخوذ من الحنف، وهو الاستقامة وقيل هو الميل، ومنه قيل للمائل الرجل أحنف، فالحنيف من الاستقامة معناه المستقيم، ومن الميل معناه المائل عن معوج الأديان إلى طريق الحق، واختلفت عبارة المفسرين عن لفظة الحنيف، حتى قال بعضهم: الحنيف الحاج، وكلها عبارة عن الحنف بإجراء منه كالحج وغيره، وأسند الطبري عن عبد الله بن عمر عن أبيه، أن زيد بن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتبعه، فلقي عالما من اليهود، فسأله عن دينه، وقال له: إني أريد أن أكون على دينكم، فقال اليهودي: إنك لن تكون على ديننا حتى تأخذ نصيبك من غضب الله، قال زيد: ما أفر إلا من غضب الله ولا أحمل من غضب الله شيئا أبدا وأنا أستطيع، فهل تدلني على دين ليس فيه هذا؟ قال: ما أعلمه إلا أن تكون حنيفا، قال وما الحنيف؟ قال دين إبراهيم، لم يكن يهوديا ولا نصرانيا وكان لا يعبد إلا

<<  <  ج: ص:  >  >>