ويحتمل أن يكون الْإِنْسانِ في هذه الآية اسم الجنس، وقوله تعالى: قَلِيلًا صفة لمصدر محذوف، وهو في موضع الحال حين حذف الموصوف به، والضمير في قالُوا للكفار الجاحدين البعث من القبور والمستبعدين لذلك دون حجة ولا دليل. وموضع إِذا نصب بما في قوله إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ لأن معناه لنعاد، واختلفت القراءة في أَإِذا وقد تقدم استيعاب ذكره في غير هذا الموضع. وقرأ جمهور القراء «ضللنا» بفتح اللام، وقرأ ابن عامر وأبو رجاء وطلحة وابن وثاب «ضللنا» بكسر اللام والمعنى تلفنا وتقطعت أوصالنا فذهبنا حتى لم نوجد، ومنه قول الأخطل:[الكامل]
كنت القذا في متن أكدر مزبد ... قذف الأتيّ به فضلّ ضلالا
ومنه قول النابغة:
فآب مضلوه بعين جلية ... وغودر بالجولان حزم ونائل
أي متلفوه دفنا، ومنه قول امرئ القيس:«تضل المداري في مثنى ومرسل» . وقرأ الحسن البصري «صللنا» بالصاد غير منقوطة وفتح اللام، قال الفراء وتروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومعناه صرنا من الصلة وهي الأرض اليابسة الصلبة، ويجوز أن يريد به من التغير كما يقال صل اللحم، ورويت هذه القراءة عن ابن عباس وأبان بن سعيد بن العاصي، وقرأ الحسن أيضا «صللنا» بالصاد غير منقوطة وكسر اللام، وقرأ علي بن أبي طالب وأبو حيوة «ضلّلنا» بضم الضاد وكسر اللام وشدها، وقولهم إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أي إنا لفي هذه الحالة نعاد ويجدد خلقنا. وقوله تعالى: بَلْ إضراب عن معنى استفهامهم كأنه قال ليسوا مستفهمين «بل هم كافرون» جاحدون بلقاء الله تعالى، ثم أمر تعالى نبيه أن يخبرهم بجملة الحال غير مفصلة، فبدأ بالإخبار من وقت يفقد روح الإنسان إلى الوقت الذي يعود فيه إلى ربه فجمع الغايتين الأولى والآخرة، ويَتَوَفَّاكُمْ معناه يستوفيكم.
ومنه قول الشاعر:[الرجز]
أزيني الأردم ليسوا من أحد ... ولا توفيهم قريش في العدد
ومَلَكُ الْمَوْتِ اسمه عزرائيل وتصرفه كله بأمر الله وبخلقه واختراعه وروي في الحديث أن البهائم كلها يتوفى الله روحها دون ملك.
قال الفقيه الإمام القاضي: كأنه يعدم حياتها، وكذلك الأمر في بني آدم إلا أنه نوع شرف بتصرف ملك وملائكة معه في قبض أرواحهم، وكذلك أيضا غلظ العذاب على الكافرين بذلك، وروي عن مجاهد: أن الدنيا بين يدي ملك الموت كالطست بين يدي الإنسان يأخذ من حيث أمر.