للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا مع إجمال لا مع تعيين مصرح من الله ولا من رسوله، بل كان لكل واحد منهم ميدان المغالطة مبسوطا، وقوله رِجْسٌ أي نتن وقذر، وناهيك بهذا الوصف محطة دنياوية، ثم عطف بمحطة الآخرة فقال وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ أي مسكنهم، ثم جعل ذلك جزاء بتكسبهم المعاصي والكفر مع أن ذلك مما قدره الله وقضاه لا رب غيره ولا معبود سواه، وأسند الطبري عن كعب بن مالك أنه قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك جلس للناس فجاءه المخلفون يعتذرون إليه ويحلفون، وكانوا بضعة وثمانين رجلا، فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله تعالى، وقوله يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ، هذه الآية والتي قبلها مخاطبة للمؤمنين مع الرسول، والمعنى يحلفون لكم مبطلين ومقصدهم أن ترضوا لا أنهم يفعلون ذلك لوجه الله ولا للبر، وقوله فَإِنْ تَرْضَوْا إلى آخر الآية، شرط يتضمن النهي عن الرضى عنهم، وحكم هذه الآية يستمر في كل مغموص عليه ببدعة ونحوها، فإن المؤمن ينبغي أن يبغضه ولا يرضى عنه لسبب من أسباب الدنيا، وقوله الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ الآية، الْأَعْرابُ لفظة عامة ومعناها الخصوص فيمن استثناه الله عز وجل، وهذا معلوم بالوجود وكيف كان الأمر، وإنما انطلق عليهم هذا الوصف بحسب بعدهم عن الحواضر ومواضع العلم والأحكام والشرع، وهذه الآية إنما نزلت في منافقين كانوا في البوادي، ولا محالة أن خوفهم هناك أقل من خوف منافقي المدينة، فألسنتهم لذلك مطلقة ونفاقهم أنجم، وأسند الطبري أن زيد بن صوحان كان يحدث أصحابه بالعلم وعنده أعرابي وكان زيد قد أصيبت يده اليسرى يوم نهاوند فقال الأعرابي والله إن حديثك ليعجبني وإن يدك لتريبني وقال زيد: وما يريبك من يدي وهي الشمال؟ فقال الأعرابي: والله ما أدري اليمين تقطعون أم الشمال؟ فقال زيد صدق الله الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ، وَأَجْدَرُ معناه أحرى وأقمن، و «الحدود» هنا السنن والأحكام ومعالم الشريعة.

قوله عز وجل:

[سورة التوبة (٩) : الآيات ٩٨ الى ٩٩]

وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٩٨) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٩)

هذا نص من المنافقين منهم، ومعنى يَتَّخِذُ في هذه الآيات أي يجعل مقصده ولا ينوي فيه غير ذلك، وأصل «المغرم» الدين، ومنه تعوذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من المغرم والمأثم، ولكن كثر استعمال المغرم فيما يؤديه الإنسان مما لا يلزمه بحق، وفي اللفظ معنى اللزوم، ومنه قوله تعالى: إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً [الفرقان: ٦٥] أي مكروها لازما، والدَّوائِرَ المصائب التي لا مخلص للإنسان منها فهي تحيط به كما تحيط الدائرة، وقد يحتمل أن تشتق من دور الزمان، والمعنى ينتظر بكم ما تأتي به الأيام وتدور به، ثم قال على جهة الدعاء عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وكل ما كان بلفظ دعاء من جهة الله عز وجل فإنما

<<  <  ج: ص:  >  >>