هذا ابتداء تمثيل لكفار قريش بأمم كفرت بأنبيائها فأهلكوا، ففي ضمن ذلك الوعيد بأن يحل بهؤلاء نحو ما حل بأولئك، و «نوح» عليه السلام أول نبي أرسل إلى الناس وإدريس أول من نبيّ ولم يرسل، والْمَلَأُ الأشراف لأنهم عنهم يصدر الملأ وهو جمع القوم، وفي قوله «هؤلاء» استبعاد بعثة البشر وهم قوم مقرون بالملائكة وذلك لا شك متقرر عندهم من بقايا نبوءة آدم وإدريس وغيرهما. ولم يكن عن علم صحيح ولا معرفة بأخبار نبوءة والجنة الجنون، فَتَرَبَّصُوا معناه فاصبروا وانتظروا هلاكه، وحَتَّى حِينٍ معناه إلى وقت ولم يعينوه وإنما أرادوا إلى وقت يريحكم القدر منه، ثم إن نوحا عليه السلام دعا على قومه حين يئس منهم وإن كان دعاؤه في هذه الآية ليس بنص وإنما هو ظاهر من قوله بِما كَذَّبُونِ فهذا يقتضي طلبه العقوبة وأما النصرة بمجردها فكانت تكون بردهم إلى الإيمان، وقرأ أبو جعفر وابن محيصن «ربّ انصرني» برفع الباء وكذلك «ربّ احكم» وشبهه.
قد تقدم القول في صفة السفينة وقدرها في سورة هود، والْفُلْكَ هنا مفرد لا جمع، وقوله تعالى بِأَعْيُنِنا عبارة عن الإدراك، هذا مذهب الحذاق، ووقفت الشريعة على أعين وعين ولا يجوز أن يقال عينان من حيث لم توقف الشريعة على التثنية ووَحْيِنا معناه في كيفية العمل ووجه البيان، وذلك أن جبريل عليه السلام نزل إلى نوح فقال له اصنع كذا وكذا لجميع حكم السفينة وما تحتاج إليه واستجن الكفار نوحا لا دعائه النبوءة بزعمهم أنها دعوى وسخروا منه لعمله السفينة على غير مجرى، ولكونها أول سفينة إن صح ذلك، وقوله، أَمْرُنا، يحتمل أن يكون مصدرا بمعنى أن نأمر الماء بالفيض ويحتمل أن يريد واحد الأمور أي هلاكنا للكفرة، وقد تقدم القول في معنى قوله وَفارَ التَّنُّورُ والصحيح من الأقوال فيه أنه تنور الخبز وأنها أمارة كانت بين الله تعالى وبين نوح عليه السلام وقوله فَاسْلُكْ معناه فادخل ومنه قول الشاعر:[البسيط]
حتى سلكن الشوى منهن في مسلك ... من نسل جوابة الآفاق مهداج