قال الفقيه الإمام القاضي: والتأويل الأول أجرى مع نسق الآيات، ثم أمر تعالى نبيه بالإسناد إلى أمر الله تعالى وأن يجعله حسبه شَهِيداً وحاكما بينه وبينهم بعلمه وتحصيله جميع أمورهم، وقوله بِالْباطِلِ، يريد بالأصنام والأوثان وما يتبع أمرها من المعتقدات، والباطل، هو أن يفعل فعل يراد به أمر ما، وذلك الأمر لا يكون عن ذلك الفعل، والأصنام أريد بأمرها الأكمل والأنجح في زعم عبادها وليس الأكمل والأنجح إلا رفضها فهي إذا باطل، وباقي الآية بين.
قوله وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ يراد به كفار قريش في قولهم ائتنا بما تعدنا، وغير ذلك من استدعائهم على جهة التعجيز والتكذيب عذاب الله الذي يتوعدهم محمد صلى الله عليه وسلم به، ثم أخبر تعالى أنه يأتيهم بَغْتَةً أي فجأة وهذا هو عذاب الدنيا وهو الذي ظهر يوم بدر في السنين السبع.
ثم ذكر تعالى أن تأخره إنما هو حسب الأجل المقدور السابق، وقال المفسرون عن الضحاك: أن «الأجل المسمى» في هذه الآية الآجال..
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا ضعيف يرده النظر، والآجال لا محالة أَجَلٌ مُسَمًّى ولكن ليس هذا موضعها، ثم توعدهم تبارك وتعالى بعد عذاب الآخرة في قوله يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ، كرر فعلهم وقبحه، وأخبر أن وراءهم إحاطة جهنم بهم وقال عكرمة فيما حكى الطبري إن جَهَنَّمَ هاهنا أراد بها البحر.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا ضعيف، وقوله تعالى: يَوْمَ يَغْشاهُمُ ظرف يعمل فيه قوله «محيطة» ، ويَغْشاهُمُ معناه يغطيهم من كل جهة من جهاتهم، وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي «ويقول» أي ويقول الله، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر «ونقول» بالنون، فإما أن تكون نون العظمة أو نون جماعة الملائكة، وقرأ ابن مسعود «ويقال» بياء وألف وهي قراءة ابن أبي عبلة، وقوله تعالى: ذُوقُوا توبيخ، وتشبيه مس العذاب بالذوق، ومنه قوله ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان: ٤٩] ، ومنه قول أبي سفيان: ذق عقق ونحو هذا كثير، وقوله تعالى: ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أي بما في أعمالكم من اكتسابكم.