يراد أن هكذا يصنع بالأموات من نزول المطر عليهم حتى يحيوا به فيكون الكلام خبرا لا مثلا، وهذا التأويل إنما يستند إلى الحديث الذي ذكره الطبري عن أبي هريرة أن الناس إذا ماتوا في النفخة الأولى مطر عليهم مطر من ماء تحت العرش يقال له ماء الحيوان أربعين سنة فينبتون كما ينبت الزرع، فإذا كملت أجسادهم نفخ فيهم الروح، ثم تلقى عليهم نومة فينامون فإذا نفخ في الصور الثانية قاموا وهم يجدون طعم النوم، فيقولون يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا، فيناديهم المنادي هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون.
وقوله تعالى: وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ آية متممة للمعنى الأول في الآية قبلها معرفة بعادة الله تعالى في إنبات الأرضين، فمن أراد أن يجعلها مثالا لقلب المؤمن وقلب الكافر فذلك كله مرتب، لكن ألفاظ الآية لا تقتضي أن المثال قصد بذلك والتمثيل بذلك حكاه الطبري عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي، وقال النحاس: هو مثال للفهيم وللبليد، والطَّيِّبُ: هو الجيد التراب الكريم الأرض، وخص بإذن ربه مدحا وتشريفا، وهذا كما تقول لمن تغض منه، أنت كما شاء الله فهي عبارة تعطي مبالغة في مدح أو ذم ومن هذا قوله تعالى: فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ [البقرة: ٢٧٥] على بعض التأويلات، والخبيث هو السباخ ونحوها من رديء الأرض، وقرأ ابن أبي عبلة وأبو حيوة وعيسى بن عمر «يخرج نباته» بضم الياء وكسر الراء ونصب التاء، و «النكد» العسير القليل، ومنه قول الشاعر:[المنسرح]
لا تنجز الوعد إن وعدت وإن ... أعطيت أعطيت تافها نكدا
ونكد الرجل إذا سأل إلحافا وأخجل ومنه قول الشاعر:[السريع]
وأعط ما أعطيته طيبا ... لا خير في المنكود والناكد
وقرأ جمهور الناس وجميع السبعة «نكدا» بفتح النون وكسر الكاف، وقرأ طلحة بن مصرف «نكدا» بتخفيف الكاف وفتح النون، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع «نكدا» بفتح النون والكاف، وقال الزجّاج: وهي قراءة أهل المدينة كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ أي هكذا نبين الأمور، ويَشْكُرُونَ معناه يؤمنون ويثنون بآلاء الله.