للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآية على كل حال وإن أسندت إلى الأنصباء ونحوه لأن قوله اسْتَحَقَّ صلة ل الَّذِينَ والَّذِينَ واقع على الصنف المناقض للشاهدين الجائرين فالشاهدان ما استحقا قط في هذه النازلة شيئا حقيقة استحقاق، وإنما تسورا تسور المستحق فلنا أن نقدر الأوليان ابتداء وقد أخر. فيسند اسْتَحَقَّ على هذا إلى المال أو النصيب ونحوه على جهة الاستعارة. وكذلك إذا كان الْأَوْلَيانِ خبر ابتداء وكذلك على البدل من الضمير في يَقُومانِ وعلى الصفة على مذهب أبي الحسن. ولنا أن نقدر الكلام بمعنى من الجماعة التي غابت وكان حقهما والمبتغى أن يحضر وليها، فلما غابت وانفرد هذا الموصي استحقت هذه الحال وهذان الشاهدان من غير أهل الدين الولاية وأمر الأوليين على هذه الجماعة، ثم بني الفعل للمفعول على هذا المعنى إيجازا ويقوي هذا الغرض أن تعدي الفعل ب «على» لما كان باقتدار وحمل هيئته على الحال. ولا يقال استحق منه أو فيه إلا في الاستحقاق الحقيقي على وجهه، وأما استحق عليه فيقال في الحمل والغلبة والاستحقاق المستعار والضمير في عَلَيْهِمُ عائد على كل حال في هذه القراءة على الجماعة التي تناقض شاهدي الزور الآثمين، ويحتمل أن يعود على الصنف الذين منهم شاهد الزور على ما نبينه الآن إن شاء الله في غير هذه القراءة.

وأما رواية قرة عن ابن كثير «استحق» بفتح التاء فيحتمل أن يكون الأوليان ابتداء أو خبر ابتداء، ويكون المعنى في الجمع أو القبيل الذي استحق القضية على هذا الصنف الشاهد بالزور، الضمير في عليهم عائد على صنف شاهدي الزور.

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وفي هذا التأويل تحويل وتحليق وصنعة في الَّذِينَ، وعليه ينبني كلام أبي علي في كتاب الحجة، ويحتمل أن يكون المعنى من الذين استحق عليهم القيام، والصواب من التأويلين أن الضمير في عَلَيْهِمُ عائد على الَّذِينَ، والْأَوْلَيانِ رفع ب اسْتَحَقَّ وذلك متخرج على ثلاثة معان. أحدها أن يكون المراد من الذين استحق عليهم ما لهم وتركتهم شاهدا الزور. فسمى شاهدي الزور أوليين من حيث جعلتهما الحال الأولى كذلك، أي صيرهم عدم الناس أولى بهذا الميت وتركته فجارا فيها، والمعنى الثاني أن يكون المراد من الجماعة الذين حق عليهم أن يكون منهم الأوليان، فاستحق بمعنى حق ووجب، كما تقول هذا بناء قد استحق بمعنى حق كعجب واستعجب ونحوه، والمعنى الثالث أن يجعل استحق بمعنى سعى واستوجب، فكأن الكلام فآخران من القوم الذين حضر أوليان منهم فاستحقا عليهم حقهم، أي استحقا لهم وسعيا فيه واستوجباه بأيمانهما وقرباهما، ونحو هذا المعنى الذي يعطيه التعدي ب «على» قول الشاعر:

اسعى على حيّ بني ملك ... كل امرئ في شأنه ساع

وكذلك في الحديث: «كنت أرعى عليهم الغنم» في بعض طرق حديث الثلاثة الذين ذكر أحدهم بره بأبويه حين انحطت عليهم الصخرة، وأما قراءة حمزة فمعناها من القوم الذين استحق عليهم أمرهم أي غلبوا عليه، ثم وصفهم بأنهم أولون أي في الذكر في هذه الآية، وذلك في قوله اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ ثم بعد ذلك قال أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ وقوله تعالى: فَيُقْسِمانِ بِاللَّهِ يعني الآخرين اللذين يقومان مقام شاهدي التحريف، وقولهما لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما أي لما أخبرنا نحن به وذكرناه من نص القضية أحق مما ذكراه أولا، وحرفا فيه، وما اعتدينا نحن في قولنا هذا ولا زدنا على الحد، وقولهما إِنَّا إِذاً لَمِنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>