الحمام بغير مئزر وقال أبو العالية كل فرج ذكر في القرآن فهو من الزنا إلا هذه الآيتين فإنه يعني التستر.
قال الفقيه الإمام الإمام القاضي: ولا وجه لهذا التخصيص عندي وباقي الآية بين وظاهره التوعد، وقوله تعالى: وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ الآية أمر الله تعالى النساء في هذه الآية بغض البصر عن كل ما يكره من جهة الشرع النظر إليه، وفي حديث أم سلمة قالت: كنت أنا وعائشة عند النبي صلى الله عليه وسلم فدخل ابن أم مكتوم فقال النبي عليه السلام «احتجبن» فقلنا: أعمى، فقال النبي عليه السلام «أفعمياوان أنتما» ؟
ومِنْ تحتمل ما تقدم في الأولى، و «حفظ الفروج» يعم الفواحش وستر العورة وما دون ذلك مما فيه حفظ، وأمر الله تعالى بأن لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ للناظرين إلا ما استثناه من الناظرين في باقي الآية، ثم استثنى ما يظهر من الزينة، فاختلف الناس في قدر ذلك، فقال ابن مسعود ظاهر الزينة هو الثياب، وقال سعيد بن جبير الوجه والثياب، وقال سعيد بن جبير أيضا وعطاء والأوزاعي الوجه والكفان والثياب، وقال ابن عباس وقتادة والمسور بن مخرمة ظاهر الزينة هو الكحل والسواك والخضاب إلى نصف الذراع والقرطة والفتخ ونحو هذا فمباح أن تبديه المرأة لكل من دخل عليها من الناس، وذكر الطبري عن قتادة في معنى نصف الذراع حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم وذكر آخر عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال الفقيه الإمام القاضي: ويظهر لي في محكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بأن لا تبدي وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة، ووقع الاستثناء في كل ما غلبها فظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه أو إصلاح شأن ونحو ذلك، فما ظهر على هذا الوجه فهو المعفو عنه فغالب الأمر أن الوجه بما فيه والكفين يكثر فيهما الظهور، وهو الظاهر في الصلاة، ويحسن بالحسنة الوجه أن تستره إلا من ذي حرمة «محرمة» ، ويحتمل لفظ الآية أن الظاهر من الزينة لها أن تبديه ولكن يقوي ما قلناه الاحتياط ومراعاة فساد الناس فلا يظن أن يباح للنساء من إبداء الزينة إلا ما كان بذلك الوجه والله الموفق للصواب برحمته، وقرأ الجمهور «وليضربن» بسكون اللام التي هي للأمر، وقرأ أبو عمر في رواية عباس عنه و «ليضربن» بكسر اللام على الأصل لأن أصل لام الأمر الكسر في «ليذهب وليضرب» ، وإنما تسكينها كتسكين عضد وفخذ، وسبب هذه الآية أن النساء كن في ذلك الزمان إذا غطين رؤوسهن بالأخمرة سدلنها من وراء الظهر قال النقاش كما يصنع النبط فيبقى النحر والعنق والأذنان لا ستر على ذلك فأمر الله تعالى ب «الخمار على الجيوب» وهيئة ذلك يستر جميع ما ذكرناه، وقالت عائشة رضي الله عنها: رحم الله المهاجرات الأول لما نزلت هذه الآية عمدن إلى أكثف المروط فشققنها أخمرة وضربن بها على الجيوب.
ودخلت على عائشة حفصة بنت أخيها عبد الرحمن وقد اختمرت بشيء يشف عن عنقها وما هنالك فشقته عليها وقالت إنما يضرب بالكثيف الذي يستر، ومشهور القراءة ضم الجيم من «جيوبهن» ، وقرأ بعض الكوفيين بكسرها بسبب الياء كقراءتهم ذلك في بيوت وشيوخ ذكره الزهراوي.