العمد» . وقوله تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ الآية أزال الله تعالى بها أحكاما كانت في صدر الإسلام منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي على ميت عليه دين، فذكر الله تعالى أنه أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فجمع هذا أن المؤمن يلزم أن يحب النبي أكثر من نفسه حسب حديث عمر بن الخطاب، ويلزمه أن يمتثل أوامره أحبت نفسه ذلك أو كرهت، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت هذه الآية:«أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، من ترك مالا فلورثته، ومن ترك دينا أو ضياعا، فعلي، أنا وليه، اقرؤوا إن شئتم النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» . وقال بعض العلماء العارفين هو أولى بهم من أنفسهم لأن أنفسهم تدعوهم إلى الهلاك وهو يدعوهم إلى النجاة.
قال الفقيه الإمام القاضي: ويؤيد هذا قوله عليه السلام «أنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تقتحمون فيها تقحم الفراش» . وشرف تعالى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بأن جعلهن أمهات المؤمنين في حرمة النكاح وفي المبرة وحجبهن رضي الله عنهن بخلاف الأمهات، قال مسروق قالت امرأة لعائشة رضي الله عنها: يا أمه، فقالت لست لك بأم وإنما أنا أم رجالكم، وفي مصحف أبيّ بن كعب «وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم» ، وقرأ ابن عباس «من أنفسهم وهو أب لهم وأزواجه أمهاتهم» ، وسمع عمر هذه القراءة فأنكرها، فقيل له إنها في مصحف أبيّ فسأله فقررها أبيّ وأغلظ لعمر، وقد قيل في قول لوط عليه السلام: هؤُلاءِ بَناتِي [هود: ٧٨] إنما أراد المؤمنات، أي تزوجوهن، ثم حكم بأن أولي الأرحام أحق مما كانت الشريعة قررته من التوارث بأخوة الإسلام وبالهجرة، فإنه كان بالمدينة توارث في صدر الإسلام بهذين الوجهين اختلفت الرواية في صفته وليس لمعرفته الآن حكم فاختصرته، ورد الله تعالى المواريث على الأنساب الصحيحة، وقوله تعالى: فِي كِتابِ اللَّهِ يحتمل أن يريد القرآن، ويحتمل أن يريد اللوح المحفوظ، وقوله تعالى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ متعلق ب أَوْلى الثانية، وهذه الأخوة والهجرة التي ذكرنا، وقوله تعالى:
إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا يريد الإحسان في الحياة والصلة والوصية عند الموت، قاله قتادة والحسن وعطاء وابن الحنفية، وهذا كله جائز أن يفعل مع الولي على أقسامه، والقريب الكافر يوصى له بوصية، واختلف العلماء هل يجعل هو وصيا، فجوز بعض ومنع بعض ورد النظر في ذلك إلى السلطان بعض، منهم مالك بن أنس رضي الله عنه، وذهب مجاهد وابن زيد والرماني وغيره إلى أن المعنى إلى أوليائكم من المؤمنين.
قال القاضي أبو محمد: ولفظ الآية يعضد هذا المذهب، وتعميم لفظ الولي أيضا حسن كما قدمناه، إذ ولاية النسب لا تدفع في الكافر، وإنما يدفع أن يلقى إليه بالمودة كولي الإسلام.
والْكِتابِ الذي سطر ذلك فيه يحتمل الوجهين اللذين ذكرنا، ومَسْطُوراً من قولك سطرت الكتاب إذا أثبته إسطارا ومنه قول العجاج «في الصحف الأولى التي كان سطرا» ، قال قتادة وفي بعض القراءة «كان ذلك عند الله مكتوبا» .