عبد الرحمن بن الزبير وكان رفاعة قد طلقها ثلاثا، فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم:«إني لا أريد البقاء مع عبد الرحمن، ما معه إلا مثل الهدبة» ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لعلك أردت الرجوع إلى رفاعة، لا حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته» ، فرأى العلماء أن النكاح المحل إنما هو الدخول والوطء، وكلهم على أن مغيب الحشفة يحل إلا الحسن بن أبي الحسن فإنه قال:«لا يحل إلا الإنزال وهو ذوق العسيلة» ، وقال بعض الفقهاء: التقاء الختانين يحل.
قال القاضي أبو محمد: والمعنى واحد، إذ لا يلتقي الختانان إلا مع المغيب الذي عليه الجمهور، وروي عن سعيد بن المسيب أن العقد عليها يحلها للأول، وخطىء هذا القول لخلافه الحديث الصحيح، ويتأول على سعيد- رحمه الله- أن الحديث لم يبلغه، ولما رأى العقد عاملا في منع الرجل نكاح امرأة قد عقد عليها أبوه قاس عليه عمل العقد في تحليل المطلقة.
قال القاضي أبو محمد: وتحليل المطلقة ترخيص فلا يتم إلا بالأوفى، ومنع الابن شدة تدخل بأرق الأسباب على أصلهم في البر والحنث. والذي يحل عند مالك- رحمه الله- النكاح الصحيح والوطء المباح، والمحلل إذا وافق المرأة: فلم تنكح زوجا، ولا يحل ذلك، ولا أعلم في اتفاقه مع الزوجة خلافا، وقال عثمان بن عفان:«إذا قصد المحلل التحليل وحده لم يحل، وكذلك إن قصدته المرأة وحدها» .
ورخص فيه مع قصد المرأة وحدها إبراهيم والشعبي إذا لم يأمر به الزوج. وقال الحسن بن أبي الحسن:
«إذا هم أحد الثلاثة بالتحليل لم تحل للأول» ، وهذا شاذ، وقال سالم والقاسم: لا بأس أن يتزوجها ليحلها إذا لم يعلم الزوجان.
وقوله تعالى: فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما الآية، المعنى إن طلقها المتزوج الثاني فلا جناح عليهما أي المرأة والزوج الأول، قاله ابن عباس، ولا خلاف فيه، والظن هنا على بابه من تغليب أحد الجائزين، وقال أبو عبيدة:«المعنى أيقنا» ، وقوله في ذلك ضعيف، وحُدُودَ اللَّهِ الأمور التي أمر أن لا تتعدى، وخص الذين يعلمون بالذكر تشريفا لهم، وإذ هم الذين ينتفعون بما بين. أي نصب للعبرة من قول أو صنعة، وأما إن أردنا بالتبيين خلق البيان في القلب فذلك يوجب تخصيص الذين يعلمون بالذكر، لأن من طبع على قلبه لم يبين له شيء، وقرأ السبعة «يبينها» بالياء، وقرأ عاصم روي عنه «نبينها» بالنون.
وقوله تعالى: وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ الآية خطاب للرجال لا يختص بحكمه إلا الأزواج، وذلك نهي للرجل أن يطول العدة على المرأة مضارّة منه لها، بأن يرتجع قرب انقضائها ثم يطلق بعد ذلك، قاله الضحاك وغيره، ولا خلاف فيه، ومعنى «بلغن أجلهن» قاربن، لأن المعنى يضطر إلى ذلك، لأنه بعد بلوغ الأجل لا خيار له في الإمساك، ومعنى «أمسكوهن» راجعوهن، وبِمَعْرُوفٍ قيل هو الإشهاد، ولا تُمْسِكُوهُنَّ أي لا تراجعوهن ضرارا، وباقي الآية بيّن.