لما قال تعالى: مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر: ٢١] جاء بالأوصاف التي توجب لمخلوقاته هذه الخشية، و «الغيب» ما غاب عن المخلوقين، و «الشهادة» ما شاهدوه. وقال حرب المكي «الغيب» : الآخرة «والشهادة» : الدنيا. وقرأ جمهور الناس:«القدوس» بضم القاف، وهو فعول من تقدس إذا تطهر، وحظيرة القدس الجنة، لأنها طاهرة، ومنه روح القدس، ومنه الأرض المقدسة بيت المقدس، وروي عن أبي ذر أنه قرأ:«القدوس» بفتح القاف وهي لغة، والسَّلامُ معناه: الذي سلم من جوره، وهذا اسم على حذف مضاف أي ذو «السلام» ، لأن الإيمان به وتوحيده وأفعاله هي لمن آمن سلام كلها، والْمُؤْمِنُ اسم فاعل من آمن بمعنى أمن. قال أحمد بن يحيى ثعلب معناه: المصدق للمؤمنين في أنهم آمنوا. قال النحاس: أو في شهادتهم على الناس في القيامة. وقال ناس من المتأولين معناه: المصدق نفسه في أقواله الأزلية: لا إله غيره والْمُهَيْمِنُ معناه: الأمين والحفيظ. قاله ابن عباس وقال مؤرج:
الْمُهَيْمِنُ: الشاهد بلغة قريش، وهذا بناء لم يجىء منه في الصفات إلا مهيمن ومسيطر ومبيقر ومبيطر، جاء منه في الأسماء مجيمر: وهو اسم واد ومديبر. و: الْعَزِيزُ الذي لا يغلب والقاهر الذي لا يقهر يقال عزيز إذا غلب برفع العين في المستقبل. قال الله تعالى: وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ [ص: ٢٣] أي غلبني، وفي المثل من عز بزّ أي من غلب سلب، والْجَبَّارُ هو الذي لا يدانيه شيء ولا يلحق رتبه، ومنه نخلة جبارة إذا لم تلحق وأنشد الزهراوي:[الطويل]
أطافت به جيلان عند قطاعه ... وردت إليه الماء حتى تجبرا
والْمُتَكَبِّرُ معناه الذي له التكبر حقا، ثم نزه الله تعالى نفسه عن إشراك الكفار به الأصنام التي ليس لها شيء من هذه الصفات، و: الْبارِئُ بمعنى الْخالِقُ، برأ الله الخلق أي أوجدهم، و: الْمُصَوِّرُ هو الذي يوجد الصور، وقرأ علي بن أبي طالب:«المصوّر» بنصب الواو والراء على إعمال الْبارِئُ به، وهي حسنة يراد بها الجنس في الصور، وقال قوم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه إنه قرأ:«المصوّر» بفتح الواو وكسر الراء على قولهم الحسن الوجه وقوله تعالى: لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى أي ذات الحسن في معانيها القائمة بذاته لا إله إلا هو، وهذه الأسماء هي التي حصرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:«إن الله تعالى تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة» ، وقد ذكرها الترمذي وغيره مسندة، واختلف في بعضها ولم يصح فيها شيء إلا إحصاؤها دون تعين، وباقي الآية بين.