من النعم سليمة من الهوام والمضار هذه عبارات المفسرين، وكان ذلك الوادي فيما روي عن عبد الرحمن بن عوف لا يدخله برغوث ولا قملة ولا بعوضة ولا عقرب ولا شيء من الحيوان الضار، وإذا جاء به أحد من سفر سقط عند أول الوادي، وروي أن الماشي بمكتل فوق رأسه بين أشجاره يمتلي مكتله دون أن يمد يدا، وروي أن هذه المقالة من الأمر بالأكل والشرب والتوقيف على طيب البلدة وغفران الرب مع الإيمان به هو من قيل الأنبياء لهم، وقرأ رؤيس عن يعقوب «بلدة طيبة وربا غفورا» بالنصب في الكل، وبعث إليهم فيما روي ثلاثة عشر نبيا فكفروا بهم وأعرضوا، فبعث الله تعالى على ذلك السد جردا أعمى توالد فيه وخرقه شيئا بعد شيء وأرسل سيلا في ذلك الوادي، فيحتمل ذلك السد، فيروى أنه كان من العظم وكثرة الماء بحيث ملأ ما بين الجبلين، وحمل الجنات وكثيرا من الناس ممن لم يمكنه الفرار، ويروى أنه لما خرق السد كان ذلك سبب يبس الجنات، فهلكت بهذا الوجه، وروي أنه صرف الماء من موضعه الذي كان فيه أولا فتعطل سقي الجنات، واختلف الناس في لفظة الْعَرِمِ فقال المغيرة بن حكيم وأبو ميسرة: الْعَرِمِ في لغة اليمن: جمع عرمة، وهو كل ما بني أو سنم ليمسك الماء ويقال ذلك بلغة أهل الحجاز المسناة.
قال الفقيه الإمام القاضي: كأنها الجسور والسداد ونحوها، ومن هذا المعنى قول الأعشى:
وفي ذلك للمتأسي أسوة ومآرب ... عفا عليها العرم
رخام بناه لهم حمير ... إذا جاءه موارة لم يرم
ومنه قول الآخر:
ومن سبأ الحاضرين مأرب إذ ... يبنون من دون سيله العرما
وقال ابن عباس وقتادة والضحاك الْعَرِمِ اسم وادي ذلك الماء بعينه الذي كان السد بني له، وقال ابن عباس أيضا إن سيل ذلك الوادي أبدا كان يصل إلى مكة وينتفع به، وقال ابن عباس أيضا الْعَرِمِ الشديد.
قال الفقيه الإمام القاضي: فكأنه صفة للسيل من العرامة، والإضافة إلى الصفة مبالغة وهي كثيرة في كلام العرب، وقالت فرقة الْعَرِمِ اسم الجرذ.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا ضعيف، وقيل الْعَرِمِ اسم المطر الشديد الذي كان عنه ذلك السيل، وقوله وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ قول فيه تجوز واستعارة وذلك أن البدل من «الخمط والأثل» لم يكن جنات، لكن هذا كما تقول لمن جرد ثوبا جيدا وضرب ظهره هذا الضرب ثوب صالح لك ونحو هذا، وقوله ذَواتَيْ تثنية ذات، و «الخمط» شجر الأراك قاله ابن عباس وغيره، وقيل «الخمط» كل شجر له شوك وثمرته كريهة الطعم بمرارة أو حمضة أو نحوه، ومنه تخمط اللبن إذا تغير طعمه، و «الأثل» ضرب من الطرفاء هذا هو الصحيح، وكذا قال أبو حنيفة في كتاب النبات، قال الطبري وقيل هو شجر شبيه بالطرفاء وقيل إنه السمر، و «السدر» معروف وهو له نبق شبه العناب لكنه في الطعم دونه بكثير، وللخمط ثمر غث هو البريد، وللأثل ثم قليل الغناء غير حسن الطعم، وقرأ ابن كثير ونافع «أكل» بضم الهمزة وسكون