عن ابن أبي مليكة ومحمد بن المنكدر، ورواها مالك عن يزيد بن رومان عن سالم عن ابن عمر، وروي عن مالك شيء في نحوه، وهو الذي وقع في العتبية، وقد كذب ذلك على مالك، وروى بعضهم أن رجلا فعل ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فتكلم الناس فيه، فنزلت هذه الآية.
قال القاضي أبو محمد: وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مصنف النسائي وفي غيره أنه قال: «إتيان النساء في أدبارهن حرام» ، وورد عنه فيه أنه قال:«ملعون من أتى امرأة في دبرها» ، وورد عنه أنه قال:«من أتى امرأة في دبرها فقد كفر بما أنزل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم» ، وهذا هو الحق المتبع، ولا ينبغي لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يعرج في هذه النازلة على زلة عالم بعد أن تصح عنه، والله المرشد لا رب غيره.
وقال السدي: معنى قوله تعالى: وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ أي الأجر في تجنب ما نهيتم عنه وامتثال ما أمرتم به، وقال ابن عباس:«هي إشارة إلى ذكر الله على الجماع» ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «لو أن أحدكم إذا أتى امرأته قال: اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، فقضي بينهما ولد لم يضره» ، وقيل: معنى قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ طلب الولد، وَاتَّقُوا اللَّهَ تحذير، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ خبر يقتضي المبالغة في التحذير، أي فهو مجازيكم على البر والإثم، وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ تأنيس لفاعلي البر ومتبعي سنن الهدى.
وقوله تعالى: وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ الآية، عُرْضَةً فعلة بناء للمفعول، أي كثيرا ما يتعرض بما ذكر، تقول «جمل عرضة للركوب» و «فرس عرضة للجري» ، ومنه قول كعب بن زهير:
[البسيط] .
من كل نضاخة الذفرى إذا عرقت ... عرضتها طامس الاعلام مجهول
ومقصد الآية: ولا تعرضوا اسم الله تعالى للأيمان به، ولا تكثروا من الأيمان فإن الحنث مع الإكثار، وفيه قلة رعي لحق الله تعالى، ثم اختلف المتأولون: فقال ابن عباس وإبراهيم النخعي ومجاهد والربيع وغيرهم: المعنى فيما تريدون الشدة فيه من ترك صلة الرحم والبر والإصلاح. قال الطبري:
«التقدير لأن لا تبروا ولا تتقوا ولا تصلحوا» ، وقدره المهدوي: كراهة أن تبروا، وقال بعض المتأولين:
المعنى ولا تحلفوا بالله كاذبين إذا أردتم البر والتقوى والإصلاح، فلا يحتاج إلى تقدير «لا» بعد «أن» ، ويحتمل أن يكون هذا التأويل في الذي يريد الإصلاح بين الناس، فيحلف حانثا ليكمل غرضه، ويحتمل أن يكون على ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:«نزلت في تكثير اليمين بالله نهيا أن يحلف الرجل به برا فكيف فاجرا» ، فالمعنى: إذا أردتم لأنفسكم البر وقال الزجاج وغيره: معنى الآية أن يكون الرجل إذا طلب منه فعل خير ونحوه اعتل بالله تعالى، فقال عليّ يمين، وهو لم يحلف، وأَنْ تَبَرُّوا مفعول من أجله، والبر جميع وجوه الخير. «بر الرجل» إذا تعلق به حكمها ونسبها كالحاج والمجاهد والعالم وغير ذلك. وهو مضاد للإثم، إذ هو الحكم اللاحق عن المعاصي. وسَمِيعٌ أي لأقوال العباد عَلِيمٌ بنياتهم، وهو مجاز على الجميع.