خطابه تعالى للمؤمنين، يدخل فيه بحكم الظاهر المنافقون المظهرون للإيمان، ففي اللفظ رفق بهم، وهم المراد بقوله تعالى: أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً لأن التوقيف إنما هو لمن ألم بشيء من الفعل المؤدي إلى هذه الحال، والمؤمنون المخلصون ما ألموا قط بشيء من ذلك، ويقوي هذا المنزع قوله تعالى: مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أي والمؤمنون العارفون المخلصون غيب عن هذه الموالاة، وهذا لا يقال للمؤمنين المخلصين، بل المعنى: يا أيها الذين أظهروا الإيمان والتزموا لوازمه، و «السلطان» : الحجة، وهي لفظة تؤنث وتذكر، والتذكير أشهر، وهي لغة القرآن حيث وقع، والسلطان إذا سمي به صاحب الأمر فهو على حذف مضاف، والتقدير: ذو السلطان أي ذو الحجة على الناس، إذ هو مدبرهم، والناظر في منافعهم، ثم أخبر تعالى عن المنافقين أنهم فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ من نار جهنم، وهي ادراك بعضها فوق بعض سبعة طبقة على طبقة، أعلاها هي جهنم وقد يسمى جميعها باسم الطبقة العليا، فالمنافقون الذين يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر هم في أسفل طبقة من النار، لأنهم أسوأ غوائل من الكفار وأشد تمكنا من أذى المسلمين، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو «في الدرك» مفتوحة الراء، وقرأ حمزة والكسائي والأعمش ويحيى بن وثاب «في الدرك» بسكون الراء، واختلف عن عاصم فروي عنه الفتح والسكون، وهما لغتان، قال أبو علي: كالشمع والشمع ونحوه، وروي عن أبي هريرة وعبد الله بن مسعود وغيرهما أنهم قالوا: المنافقون في الدرك الأسفل من النار في توابيت من النار تقفل عليهم، و «النصير» : بناء مبالغة من النصر، ثم استثنى عز وجل التائبين من المنافقين، ومن شروط التائب أن يصلح في قوله وفعله، ويعتصم بالله، أي يجعله منعته وملجأه، ويخلص دينه لله تعالى، وإلا فليس بتائب، وقال حذيفة بن اليمان بحضرة عبد الله بن مسعود: والله ليدخلن الجنة قوم كانوا منافقين، فقال له عبد الله بن مسعود: وما علمك بذلك؟ فغضب حذيفة وتنحى، فلما تفرقوا مر به علقمة فدعاه وقال: أما إن صاحبكم يعلم الذي قلت، ثم تلا إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا الآية، وأخبر تعالى أنهم مع المؤمنين في رحمة الله وفي منازل الجنة، ثم وعد المؤمنين «الأجر العظيم» ، وحذفت الياء من يُؤْتِ في المصحف تخفيفا قال الزجّاج: لسكونها وسكون اللام في اللَّهُ كما حذفت من قوله يَوْمَ يُنادِ الْمُنادِ [ق: ٤١] وكذلك سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ [العلق: ١٨] وأمثال هذا كثير، و «الأجر العظيم» : التخليد في الجنة، ثم قال تعالى للمنافقين، ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ الآية، أي: أي منفعة له في ذلك أو حاجة؟ والشكر على الحقيقة لا يكون إلا مقترنا بالإيمان، لكنه ذكر الإيمان تأكيدا وتنبيها على جلالة موقعه، ثم وعد الله تعالى بقوله: وَكانَ اللَّهُ شاكِراً عَلِيماً، أي يتقبل أقل شيء من العمل وينميه، فذلك شكر منه لعباده، والشكور من البهائم الذي يأكل قليلا ويظهر به بدنه، والعرب