للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجاب، وأن قوله هاهنا يَقُولُوا إنما هو جواب قُلْ.

قال القاضي أبو محمد: ولا يصح المعنى على هذا بأن يجعل قُلْ مختصة بهذه الألفاظ على معنى أن يقول لهم النبي: قولوا التي هي أحسن وإنما يصح بأن يكون قُلْ أمرا بالمحاورة في هذا المعنى بما أمكن من الألفاظ، كأنه قال بين لعبادي، فتكون ثمرة ذلك القول والبيان قولهم الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، وهذا المعنى يجوزه مذهب سيبويه الذي قدمنا ومذهب أبي العباس المبرد: أن يَقُولُوا جواب لأمر محذوف، تقديره: وقل لعبادي «قولوا التي هي أحسن» يقولوا فحذف وطوي الكلام، ومذهب الزجاج: أن يَقُولُوا جزم بالأمر، بتقدير قُلْ لِعِبادِي ليقولوا، فحذفت اللام لتقدم الأمر، وحكى أبو علي في الحلبيات في تضاعيف كلامه: أن مذهب أبي عثمان المازني في يَقُولُوا أنه فعل مبني، لأنه مضارع حل محل المبني الذي هو فعل الأمر لأن المعنى قُلْ لِعِبادِي قولوا، واختلف الناس في الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فقالت فرقة: هي لا إله إلا الله، ويلزم على هذا أن يكون قوله لِعِبادِي يريد به جميع الخلق، لأن جميعهم مدعو إلى لا إله إلا الله. ويجيء قوله بعد ذلك إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ غير مناسب للمعنى، إلا على تكره، بأن يجعل بَيْنَهُمْ بمعنى خلالهم، وأثناءهم، ويجعل النزع بمعنى الوسوسة والإضلال، وقال الجمهور: الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ هي المحاورة الحسنى بحسب معنى قال الحسن: يقول: يغفر الله لك، يرحمك الله، وقوله لِعِبادِي خاص بالمؤمنين، فكأن الآية بمعنى قوله عليه السلام، «وكونوا عباد الله إخوانا» ثم اختلفوا، فقالت فرقة: أمر الله المؤمنين فيما بينهم بحسن الأدب، وخفض الجناح، وإلانة القول، واطراح نزغات الشيطان، وقالت فرقة: إنما أمر الله في هذه الآية المؤمنين بإلانة القول للمشركين بمكة، أيام المهادنة، وسبب الآية: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شتمه بعض الكفرة، فسبه عمر وهم بقتله، فكاد أن يثير فتنة، فنزلت الآية وهي منسوخة بآية السيف، وقرأ الجمهور:

«ينزغ» بفتح الزاي، وقرأ طلحة بن مصرف: «ينزغ» ، بكسر الزاي على الأصل قال أبو حاتم: لعلها لغة، والقراءة بالفتح، ومعنى النزغ: حركة الشيطان بسرعة ليوجب فسادا، ومنه قول النبي عليه السلام «لا يشر أحدكم على أخيه بالسلاح لا ينزع الشيطان في يده» فهذا يخرج اللفظة عن الوسوسة، و «عداوة الشيطان البينة» هي قصته مع آدم عليه السلام فما بعد، وقوله تعالى: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ الآية، هذه الآية تقوي أن التي قبلها هي ما بين العباد المؤمنين وكفار مكة وذلك أن هذه المخاطبة في قوله رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ هي لكفار مكة بدليل قوله وَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا فكأن الله عز وجل أمر المؤمنين أن لا يخاشنوا الكفار في الدين ثم قال للكفار إنه أعلم بهم، ورجاهم وخوفهم، ومعنى يَرْحَمْكُمْ بالتوبة عليكم من الكفر، قاله ابن جريج وغيره، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: فإنما عليك البلاغ، ولست بوكيل على إيمانهم ولا بد، فتتناسب الآيات بهذا التأويل ثم قال تبارك وتعالى لنبيه عليه السلام وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وهو الذي فضل بعض الأنبياء على بعض بحسب علمه فيهم، فهذه إشارة إلى محمد صلى الله عليه وسلم وإلى استبعاد قريش أن يكون الرسول بشرا، المعنى: لا تنكروا أمر محمد عليه السلام، وإن أوتي قرآنا، فقد فضل النبيون، وأوتي داود زبورا، فالله أعلم حيث يجعل رسالاته، وتفضيل بعض الرسل، هو إما بهذا الإخبار المجمل دون أن يسمى المفضول وعلى هذا يتجه لنا أن نقول محمد

<<  <  ج: ص:  >  >>