بسعاية سيف بن ذي يزن، والأمر بكماله في السير، وقال السدي كانوا سبعين أهل بيت من قوم فرعون.
قال القاضي أبو محمد: ومما يضعف عود الضمير على «موسى» أن المعروف من أخبار بني إسرائيل أنهم كانوا قوما قد تقدمت فيهم النبوات وكانوا في مدة فرعون قد نالهم ذل مفرط وقد رجوا كشفه على يد مولود يخرج فيهم يكون نبيا، فلما جاءهم موسى عليه السلام أصفقوا عليه واتبعوه ولم يحفظ قط أن طائفة من بني إسرائيل كفرت به فكيف تعطي هذه الآية أن الأقل منهم كان الذي آمن، فالذي يترجح بحسب هذا أن الضمير عائد على «فرعون» ويؤيد ذلك أيضا ما تقدم من محاورة موسى ورده عليهم وتوبيخهم على قولهم هذا سحر، فذكر الله ذلك عنهم، ثم قال فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ من قوم فرعون الذين هذه أقوالهم، وروي في ذلك أنه آمنت زوجة فرعون وخازنه وامرأة خازنه وشباب من قومه، قاله ابن عباس، والسحرة أيضا فإنهم معدودون في قوم فرعون وتكون القصة على هذا التأويل بعد ظهور الآية والتعجيز بالعصا، وتكون الفاء مرتبة للمعاني، التي عطفت، ويعود الضمير في مَلَائِهِمْ على «الذرية» ، ولاعتقاد الفراء وغيره عود الضمير على موسى تخبطوا في عود الضمير في مَلَائِهِمْ، فقال بعضهم: ذكر فرعون وهو الملك يتضمن الجماعة والجنود، كما تقول جاء الخليفة وسافر الملك وأنت تريد جيوشه معه، وقال الفراء: المعنى على خوف من آل فرعون وملئهم وهو من باب وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: ٨٢] .
قال القاضي أبو محمد: وهذا التنظير غير جيد لأن إسقاط المضاف في قوله وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: ٨٢] هو سائغ بسبب ما يعقل من أن «اسأل القرية» لا تسأل، ففي الظاهر دليل على ما أضمر، وأما هاهنا فالخوف من فرعون متمكن لا يحتاج معه إلى إضمار، إما أنه ربما احتج أن الضمير المجموع في مَلَائِهِمْ يقتضي ذلك والخوف إنما يكون من الأفعال والأحداث التي للجثة ولكن لكثرة استعماله ولقصد الإيجاز أضيف إلى الأشخاص، وقوله أَنْ يَفْتِنَهُمْ بدل من فِرْعَوْنَ وهو بدل الاشتمال، ف أَنْ في موضع خفض، ويصح أن تكون في موضع نصب على المفعول من أجله، وقرأ الحسن والجراح، ونبيح «أن يفتنهم» بضم الياء، ثم أخبر عن فرعون بالعلو في الأرض والإسراف في الأفعال والقتل والدعاوى ليتبين عذر الخائفين، وقوله تعالى: وَقالَ مُوسى - إلى- الْكافِرِينَ، ابتداء حكاية قول موسى لجماعة بني إسرائيل المؤمنين منهم مؤنسا لهم ونادبا إلى التوكل على الله الذي بيده النصر ومسألة التوكل متشعبة للناس فيها خوضات، والذي أقول: إن التوكل الذي أمرنا له هو مقترن بتسبب جميل على مقتضى الشرع، وهو الذي في قوله صلى الله عليه وسلم «قيدها وتوكل» فقد جعله متوكلا مع التقييد، والنبي صلى الله عليه وسلم رأس المتوكلين وقد تسبب عمره كله، وكذلك السلف كله، فإن شذ متوكل فترك التسبب جملة فهي رتبة رفيعة ما لم يسرف بها إلى حد قتل نفسه وإهلاكها، كمن يدخل غارا خفيا يتوكل فيه فهذا ونحوه مكروه عند جماعة من العلماء، وما روي من إقدام عامر بن قيس على الأسد ونحو ذلك كله ضعيف، وللصحيح منه قرائن تسهله، وللمسلمين أجمعين قال الله تعالى لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة: ١٩٨] ، ولهم قال وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال: ٢] ليس فيه أنهم يتركون التسبب جملة واحدة ولا حفظ عن عكاشة أنه ترك التسبب بل كان يغزو ويأخذ سهمه، وأعني بذلك ترك التسبب في الغذاء، وأما ترك التسبب في الطب فسهل وكثير من الناس جبل عليه دون نية وحسبة، فكيف