كلها، دائم كذلك في ذاته لم يزل ولا يزال، فكفركم أنتم بإله هذه حاله غاية التخلف والخذلان، وفي قوله أيضا: حَمِيدٌ ما يتضمن أنه ذو آلاء عليكم أيها الكافرون به كان يستوجب بها حمدكم، فكفركم به مع ذلك أذهب في الضلال، وهذا توبيخ بين.
وقوله: أَلَمْ يَأْتِكُمْ الآية، هذا من التذكير بأيام الله في النقم من الأمم الكافرة. وقوله: لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ من نحو قوله: وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً [الفرقان: ٣٨] ، وفي مثل هذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كذب النسابون من فوق عدنان» ، وروي عن ابن عباس أنه قال: «كان بين زمن موسى وبين زمن نوح قرون ثلاثون لا يعلمهم إلا الله» . وحكى عنه المهدوي أنه قال: «كان بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبا لا يعرفون» .
قال القاضي أبو محمد: وهذا الوقوف على عدتهم بعيد، ونفي العلم بها جملة أصح، وهو ظاهر القرآن واختلف المفسرون في معنى قوله: فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ بحسب احتمال اللفظ.
قال القاضي أبو محمد: و «الأيدي» في هذه الآية قد تتأول بمعنى الجوارح، وقد تتأول بمعنى أيدي النعم، فمما ذكر على أن «الأيدي» الجوارح أن يكون المعنى: ردوا أيدي أنفسهم في أفواه أنفسهم عضا عليها من الغيظ على الرسل، ومبالغة في التكذيب- هذا قول ابن مسعود وابن زيد، وقال ابن عباس:
عجبوا وفعلوا ذلك، والعض من الغيظ مشهور من البشر، وفي كتاب الله تعالى: عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ [آل عمران: ١١٩] وقال الشاعر:
قد أفنى أنامله أزمه ... فأضحى يعضّ عليّ الوظيفا
وقال الآخر: [الرجز]
لو أن سلمى أبصرت تخددي ... ودقة في عظم ساقي ويدي
وبعد أهلي وجفاء عوّدي ... عضت من الوجد بأطراف اليد
ومما ذكر أن يكون المعنى أنهم ردوا أيدي أنفسهم في أفواه أنفسهم إشارة على الأنبياء بالسكوت، واستبشاعا لما قالوا من دعوى النبوءة ومما ذكر أن يكون المعنى ردوا أيدي أنفسهم في أفواه الرسل تسكيتا لهم ودفعا في صدر قولهم- قاله الحسن- وهذا أشنع في الرد وأذهب في الاستطالة على الرسل والنيل منهم.
قال القاضي أبو محمد: وتحتمل الألفاظ معنى رابعا وهو أن يتجوز في لفظ «الأيدي» ، أي إنهم ردوا قوتهم ومدافعتهم ومكافحتهم فيما قالوه بأفواههم من التكذيب، فكأن المعنى: ردوا جميع مدافعتهم في أفواههم أي في أقوالهم، وعبر عن جميع المدافعة ب «الأيدي» ، إذ الأيدي موضع لشد المدافعة والمرادة.
وحكى المهدوي قولا ضعيفا وهو أن المعنى: أخذوا أيدي الرسل فجعلوها في أفواه الرسل.
قال القاضي أبو محمد: وهذا عندي لا وجه له.