«وصلاة العصر» فيتناول أنه عطف إحدى الصفتين على الأخرى وهما لشيء واحد. كما تقول جاءني زيد الكريم والعاقل، وروي عن ابن عباس أنه قرأ «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر» على البدل، وروى هذا القول سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم وتواتر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم الأحزاب «شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا» ، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:«كنا نرى أنها الصبح حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر. فعرفنا أنها العصر» ، وقال البراء ابن عازب:«كنا نقرأ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم: حافظوا على الصلوات وصلاة العصر. ثم نسخها الله، فقرأنا: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى. فقال له رجل: فهي العصر؟، قال: «قد أخبرتك كيف قرأناها وكيف نسخت» ، والله أعلم. وروى أبو مالك الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«الصلاة الوسطى صلاة العصر» .
قال القاضي أبو محمد: وعلى هذا القول جمهور الناس وبه أقوال والله أعلم.
وقال قبيصة بن ذؤيب:«الصلاة الوسطى صلاة المغرب» ، لأنها متوسطة في عدد الركعات ليست ثنائية ولا رباعية، وأيضا فقبلها صلاتا سر وبعدها صلاتا جهر، وحكى أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر في شرح باب جامع الوقوت وغيره عن فرقة أن الصَّلاةِ الْوُسْطى صلاة العشاء الآخرة، وذلك أنها تجيء في وقت نوم وهي أشد الصلوات على المنافقين، ويستحب تأخيرها وذلك شاق فوقع التأكيد في المحافظة عليها، وأيضا فقبلها صلاتان وبعدها صلاتان.
وقالت فرقة: الصَّلاةِ الْوُسْطى لم يعينها الله تعالى لنا، فهي في جملة الخمس غير معينة، كليلة القدر في ليالي العشر، فعل الله ذلك لتقع المحافظة على الجميع، قاله نافع عن ابن عمر وقاله الربيع بن خثيم.
وقالت فرقة: الصَّلاةِ الْوُسْطى هي صلاة الجمعة فإنها وسطى فضلى، لما خصت به من الجمع والخطبة وجعلت عيدا، ذكره ابن حبيب ومكي.
وقال بعض العلماء: الصَّلاةِ الْوُسْطى المكتوبة الخمس، وقوله أولا عَلَى الصَّلَواتِ يعم النفل والفرض، ثم خص الفرض بالذكر، ويجري مع هذا التأويل قوله صلى الله عليه وسلم:«شغلونا عن الصلاة الوسطى» .
وقوله تعالى وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ معناه في صلاتكم، واختلف الناس في معنى قانِتِينَ، فقال الشعبي:«معناه مطيعين» ، وقاله جابر بن زيد وعطاء وسعيد بن جبير، وقال الضحاك:«كل قنوت في القرآن فإنما يعنى به الطاعة» ، وقاله أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن أهل كل دين فهم اليوم يقومون لله عاصمين، فقيل لهذه الأمة وقوموا لله مطيعين، وقال نحو هذا الحسن بن أبي الحسن وطاوس، وقال السدي:«قانتين معناه ساكتين» ، وهذه الآية نزلت في المنع من الكلام في الصلاة وكان ذلك مباحا في صدر الإسلام. وقال عبد الله بن مسعود:«كنا نتكلم في الصلاة ونرد السلام ويسأل الرجل صاحبه عن حاجته» قال: «ودخلت يوما والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس فسلمت فلم يرد عليّ أحد، فاشتد