للمسلمين وتمادوا على كفرهم، فنزلت الآية فيهم وقرأ جمهور الناس:«أتوا» بمعنى فعلوا، كما تقول أتيت أمر كذا، وقرأ مروان بن الحكم وإبراهيم النخعي:«آتوا» بالمد، بمعنى أعطوا بفتح الهمزة والطاء.
قال أبو محمد: وهي قراءة تستقيم على بعض المعاني التي تقدمت، وقرأ سعيد بن جبير وأبو عبد الرحمن السلمي، «أوتوا» بمعنى أعطوا، وقد تقدمت مع معناها وقرأ أبو عمرو وابن كثير، لا يحسبن الذين يفرحون «فلا يحسبنهم» بالياء من تحت فيهما وبكسر السين وبرفع الباء في يحسبنهم، قال أبو علي: الَّذِينَ رفع بأنه فاعل «يحسب» ، ولم تقع «يحسبن» على شيء، وقد تجيء هذه الأفعال لغوا لا في حكم الجمل المفيدة نحو قول الشاعر:[الطويل]
وما خلت أبقى بيننا من مودة ... عراض المذاكي المسنفات القلائصا
وقال الخليل: العرب تقول: ما رأيته يقول ذلك إلا زيد، وما ظننته يقول ذلك إلا زيد فتتجه القراءة بكون قوله:«فلا تحسبنهم» بدلا من الأول وقد عدي إلى مفعوليه وهما الضمير، وقوله بِمَفازَةٍ فاستغني بذلك عن تعدية الأول إليها كما استغني في قول الشاعر:[الطويل]
بأيّ كتاب أو بأيّة سنّة ... ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب؟
فاستغني بتعدية أحد الفعلين عن تعدية الآخر، والفاء في قوله فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ زائدة، ولذلك حسن البدل، إذ لا يتمكن أن تكون فاء عطف ولا فاء جزاء، فلم يبق إلا أن تكون زائدة لا يقبح وجودها بين البدل والمبدل منه، وقوله على هذه القراءة «فلا يحسبنهم» ، فيه تعدي فعل الفاعل إلى ضمير نفسه، نحو ظننتني أخاه، ورأيتني الليلة عند الكعبة، ووجدتني رجعت من الإصغاء، وذلك أن هذه الأفعال وما كان في معناها لما كانت تدخل على الابتداء والخبر أشبهت «أن» وأخواتها، فكما تقول: إني ذاهب، فكذلك تقول: ظننتني ذاهبا، ولو قلت: أظن نفسي أفعل كذا لم يحسن، كما يحسن: أظنني فاعلا، قرأ نافع وابن عامر:«لا يحسبن الذين» بالياء من تحت وفتح الباء، وكسر نافع السين، وفتحها ابن عامر «فلا تحسبنهم» بالتاء من فوق، وفتح الباء، والمفعولان اللذان يقتضيهما قوله «لا يحسبن الذين» محذوفان لدلالة ما ذكر بعده، والكلام في ذلك كما تقدم في قراءة ابن كثير، إلا أنه لا يجوز في هذا البدل الذي ذكره في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاختلاف الفعلين واختلاف فعليهما، وقرأ حمزة «لا تحسبن» بالتاء من فوق وكسر السين «فلا تحسبنهم» بالتاء من فوق وكسر السين وفتح الباء ف الَّذِينَ على هذه القراءة مفعول أول «لتحسبن» ، والمفعول الثاني محذوف لدلالة ما يجيء بعد عليه، كما قيل آنفا في المفعولين، وحسن تكرار الفعل في قوله «فلا تحسبنهم» لطول الكلام، وهي عادة العرب وذلك تقريب لذهن المخاطب، وقرأ الضحاك بن مزاحم «فلا تحسبنهم» بالتاء من فوق وفتح السين وضم الباء، و «المفازة» : مفعلة من فاز يفوز إذا نجا فهي بمعنى منجاة، وسمي موضع المخاف مفازة على جهة التفاؤل، قاله الأصمعي وقيل: لأنها موضع تفويز ومظنة هلاك، تقول العرب: فوز الرجل إذا مات قال ثعلب: حكيت لابن الأعرابي قول الأصمعي فقال:
أخطأ، قال لي أبو المكارم: إنما سميت «مفازة» لأن من قطعها فاز، وقال الأصمعي: سمي اللديغ سليما تفاؤلا، قال ابن الأعرابي: بل لأنه مستسلم لما أصابه، وبعد أن نهى أن يحسبوا ناجين أخبر أن لهم عذابا.