المتصلة ب «بئس» مصدرية، هذا قول الكسائي، وفيها اختلاف قد تقدم في البقرة، أي بئس خلافتكم لي من بعدي، ويقال: خلفه بخير أو بشر إذا فعله بمن ترك من بعده، ويقال عجل فلان الأمر إذا سبق فيه، فقوله: أَعَجِلْتُمْ معناه: أسابقتم قضاء ربكم واستعجلتم إتياني قبل الوقت الذي قدر به، وقوله تعالى:
وَأَلْقَى الْأَلْواحَ الآية، قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: كان سبب إلقائه الألواح غضبه على قومه في عبادتهم العجل وغضبه على أخيه في إهمال أمرهم، وقال قتادة إن صح عنه: بل كان ذلك لما رأى فيها من فضيلة أمة محمد صلى الله عليه وسلم فرغب أن يكون ذلك لأمته فلما علم أنه لغيرها غضب.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول رديء لا ينبغي أن يوصف موسى عليه السلام به والأول هو الصحيح، وبالجملة فكان في خلق موسى عليه السلام ضيق وذلك مستقر في غير موضع، وروي أنها كانت لوحان وجمع إذ التثنية جمع، وروي أنها كانت وقر سبعين بعيرا يقرأ منها الجزء في سنة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف مفرط، وقاله الربيع بن أنس، وقال ابن عباس: إن موسى لما ألقاها تكسرت فرفع أكثرها الذي فيه تفصيل كل شيء وبقي الذي في نسخته الهدى والرحمة، وهو الذي أخذ بعد ذلك، وقد تقدم القول من أي شيء كانت الألواح، وأخذه برأس أخيه ولحيته من الخلق المذكور، هذا ظاهر اللفظ، وروي أن ذلك إنما كان ليساره فخشي هارون أن يتوهم الناظر إليهما أنه لغضب فلذلك نهاه ورغب إليه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، والأول هو الصحيح لقوله رَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي
[طه: ٩٤] وقوله: ابْنَ أُمَ
استلطاف برحم الأم إذ هو ألصق القرابات، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم «ابن أمّ» بفتح الميم، فقال الكوفيون أصله ابن أماه فحذفت تخفيفا، وقال سيبويه هما اسمان بنيا على الفتح كاسم واحد كخمسة عشر ونحوها، وقرأ ابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي «ابن أمّ» بكسر الميم، فكأن الأصل ابن أمي فحذفت الياء إما على حد حذفهم من: لا أبال ولا أدر تخفيفا، وإما كأنهم جعلوا الأول والآخر اسما واحدا ثم أضافوا كقولك يا أحد عشر أقبلوا، قاله سيبويه، وهذا أقيس من الحذف تخفيفا، ثم أضافوا إلى ياء المتكلم، ثم حذفت الياء من أمي على لغة من يقول يا غلام فيحذفها من المنادى، ولو لم يقدر جعل الأول والآخر اسما واحدا لما صح حذفها لأن الأم ليست بمناداة، واسْتَضْعَفُونِي: معناه اعتقدوا أني ضعيف، وقوله: كادُوا معناه قاربوا ولم يفعلوا، وقرأ جمهور الناس «فلا تشمت بي الأعداء» بضم التاء وكسر الميم ونصب الأعداء، وقرأ مجاهد فيما حكاه أبو حاتم «فلا تشمت بي» بفتح التاء من فوق والميم ورفع «الأعداء» أي لا يكون ذلك منهم لفعل تفعله أنت بي، وقرأ حميد بن قيس «تشمت» بتاء مفتوحة وميم مكسورة ورفع «الأعداء» حكاها أبو حاتم، وقرأ مجاهد أيضا فيما حكاه أبو الفتح «فلا تشمت بي الأعداء» بفتح التاء من فوق والميم ونصب الأعداء، هذا على أن يعدى شمت يشمت، وقد روي ذلك، قال أبو الفتح: فلا تشمت بي أنت يا رب، وجاز هذا كما قال تعالى: يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة: ١٥] ونحو ذلك، ثم عاد إلى المراد فأضمر فعلا نصب به الأعداء كأنه قال: لا تشمت بي الأعداء كقراءة الجماعة.