مأخوذ من هاد يهيد إذا حرك، وقوله تعالى: قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ الآية، قال الله عز وجل: إن الرجفة التي أنزلت بالقوم هي عذابي أصيب به من شئت ثم أخبر عن رحمته، ويحتمل وهو الأظهر أن الكلام قصد الخبر عن عذابه وعن رحمته من أول ما ابتدأ، ويندرج أمر أصحاب الرجفة في عموم قوله عند عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وقرأ الحسن وطاوس وعمرو بن فائد «من أساء» من الإساءة أي من عمل غير صالح، وللمعتزلة بهذه القراءة تعلق من وجهين: أحدهما إنفاذ الوعيد، والآخر خلق المرء أفعاله وأن أساء لا فعل فيه لله، وهذان التعلقان فيهما احتمال ينفصل عنه كما ينفصل عن سائر الظواهر إلا أن القراءة أطنبوا في التحفظ من هذه القراءة، وقال أبو عمرو الداني: لا تصح هذه القراءة عن الحسن وطاوس، وعمرو بن فائد رجل سوء، وذكر أبو حاتم أن سفيان بن عيينة قرأها مرة واستحسنها فقام إليه عبد الرحمن المقبري وصاح به وأسمعه فقال سفيان: لم أدر ولم أفطن لما يقول أهل البدع وهذا إفراط من المقربين وحملهم على ذلك شحهم على الدين وظنهم أن الانفصال عن تعلق المعتزلة متعذر.
ثم وصف الله تعالى رحمته بأنها وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فقال بعض العلماء: هو عموم في الرحمة وخصوص في قوله كُلَّ شَيْءٍ والمراد من قد سبق في علم الله أن يرحمه دون من سواهم، وقال بعضهم:
هو عموم في رحمة الدنيا لأن الكافر والمؤمن والحيوان كله متقلب في رحمة الله الدنياوية، وقالت فرقة:
قوله: وَرَحْمَتِي يراد به التوبة وهي خاصة على هذا في الرحمة وفي الأشياء لأن المراد من قد تقع منه التوبة، وقال نوف البكالي: إن إبليس لما سمع قول الله تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ طمع في رحمة الله فلما سمع فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ يئس إبليس وبقيت اليهود والنصارى، فلما تمادت الصفة تبين أن المراد أمة محمد صلى الله عليه وسلم ويئس اليهود والنصارى من الآية، وقال نحوه قتادة، وقوله: فَسَأَكْتُبُها أي أقدرها وأقضيها، وقال نوف البكالي: إن موسى عليه السلام قال يا رب جعلت وفادتي لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقال نوف البكالي: فاحمدوا الله الذي جعل وفادة بني إسرائيل لكم، وقوله: يَتَّقُونَ في هذه الآية قالت فرقة: معناه يتقون الشرك، وقالت فرقة: يتقون المعاصي.
قال القاضي أبو محمد: ومن قال: الشرك لا غير خرج إلى قول المرجئة، ويرد عليه من الآية شرط الأعمال بقوله: وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ، ومن قال المعاصي ولا بد خرج إلى قول المعتزلة، والصواب بأن تكون اللفظة عامة ولكن ليس بأن نقول ولا بد من اتقاء المعاصي بل بأن نقول مع أن مواقع المعاصي في مشيئة الله تعالى، ومعنى: يَتَّقُونَ يجعلون بينهم وبين المتقى وقاية وحجابا، فذكر الله تعالى الرتبة العالية ليتسابق السامعون إليها، وقوله: وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ الظاهر من قوله يُؤْتُونَ أنها الزكاة المختصة بالمال وخصها هنا بالذكر تشريفا لها وجعلها مثالا لجميع الطاعات، وقال ابن عباس فيما روي عنه: ويؤتون الأعمال التي يزكون بها أنفسهم.