بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله فنقيم به قلوبا غلفا وآذانا صما وأعينا عميا» . وفي البخاري «فنفتح به عيونا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا» . ونص كعب الأحبار نحو هذه الألفاظ إلا أنه قال «قلوبا غلفا وآذانا صموما» ، قال الطبري وهي لغة حميرية وقد رويت «غلوفيا وصموميا» .
قال القاضي أبو محمد: وأظن هذا وهما وعجمة.
وقوله تعالى: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ يحتمل أن يريد ابتداء وصف الله تعالى النبي صلى الله عليه وسلم ويحتمل أن يجعله متعلقا ب يَجِدُونَهُ في موضع الحال على تجوز، أي يجدونه في التوراة أمرا بشرط وجوده فالمعنى الأول لا يقتضي أنهم علموا من التوراة أنه يأمرهم وينهاهم ويحل ويحرم، والمعنى الثاني يقتضي ذلك فالمعنى الثاني على هذا ذم لهم، ونحا إلى هذا أبو إسحاق الزجّاج، وقال أبو علي الفارسي في الأغفال يَأْمُرُهُمْ عندي تفسير لما كتب من ذكره كما أن قوله تعالى خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ [آل عمران: ٥٩] تفسير للمثل، ولا يجوز أن يكون حالا من الضمير في يَجِدُونَهُ لأن الضمير للذكر والاسم، والذكر والاسم لا يأمران.
قال القاضي أبو محمد: وما قدمته من التجوز وشرط الوجود يقرب ما منع منه أبو علي، وانظر، وبِالْمَعْرُوفِ ما عرف الشرع، وكل معروف من جهة المروءة فهو معروف بالشرع، فقد قال صلى الله عليه وسلم «بعثت لأتمم محاسن الأخلاق» والْمُنْكَرِ مقابله.
والطَّيِّباتِ قال فيها بعض المفسرين إنها إشارة إلى البحيرة ونحوها، ومذهب مالك رحمه الله أنها المحللات فكأنه وصفها بالطيب إذ هي لفظة تتضمن مدحا وتشريفا، وبحسب هذا يقول في الْخَبائِثَ إنها المحرمات وكذلك قال ابن عباس «الخبائث» هي لحم الخنزير والربا وغيره، وعلى هذا حلل مالك المتقذرات كالحيات والخنافس والعقارب ونحوها، ومذهب الشافعي رحمه الله أن الطيبات هي من جهة الطعم إلا أن اللفظة عنده ليست على عمومها لأن عمومها بهذا الوجه من الطعم يقتضي تحليل الخمر والخنزير بل يراها مختصة فيما حلله الشرع، ويرى «الخبائث» لفظا عاما في المحرمات بالشرع وفي المتقذرات فيحرم العقارب والخنافس والوزغ وما جرى هذا المجرى، والناس على هذين القولين إلا أن في تعيين الخبائث اختلافا ليس هذا موضع تقصيه.
وقوله تعالى: وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ الآية، يَضَعُ كأن قياسه أن يكون «يضع» بكسر الضاد لكن رده حرف الحلق إلى فتح الضاد، قال أبو حاتم وأدغم أبو عمرو «ويضع عنهم» العين في العين وأشمها الرفع وأشبعها أبو جعفر وشيبة ونافع، وطلحة ويذهب عنهم إصرهم، و «الإصر» الثقل وبه فسر هنا قتادة وابن جبير ومجاهد، و «الإصر» أيضا العهد وبه فسر ابن عباس والضحاك والحسن وغيرهم، وقد جمعت هذه الآية المعنيين فإن بني إسرائيل قد كان أخذ عليهم عهد أن يقوموا بأعمال ثقال فوضع عنهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ذلك العهد وثقل تلك الأعمال، وحكى أبو حاتم عن ابن جبير، قال:«الإصر» شدة العبادة.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي والناس «إصرهم» وقرأ ابن عامر وحده وأيوب