هذه آية تتضمن الخبر عن قوم مخالفين لمن تقدم ذكرهم في أنهم أهل إيمان واستقامة وهداية، وظاهر لفظ هذه الآية يقتضي كل مؤمن كان من لدن آدم عليه السلام إلى قيام الساعة، قال النحاس: فلا تخلو الدنيا في وقت من الأوقات من داع يدعو إلى الحق.
قال القاضي أبو محمد: سواء بعد صوته أو كان خاملا، وروي عن كثير من المفسرين أنها في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وروي في ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هذه الآية لكم، وقد تقدم مثلها لقوم موسى.
وقوله تعالى: وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا الآية وعيد، والإشارة إلى الكفار وسَنَسْتَدْرِجُهُمْ معناه سنسوقهم شيئا بعد شيء ودرجة بعد درجة بالنعم عليهم والإمهال لهم حتى يغتروا ويظنوا أنهم لا ينالهم عقاب، وقوله: مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ معناه من حيث لا يعلمون أنه استدراج لهم، وهذه عقوبة من الله على التكذيب بالآيات، لما حتم عليهم بالعذاب أملى لهم ليزدادوا إثما وقرأ ابن وثاب والنخعي «سيستدرجهم» بالياء.
وقوله: أُمْلِي معناه أؤخر ملاءة من الدهر أي مدة وفيها ثلاث لغات فتح الميم وضمها وكسرها، وقرأ عبد الحميد عن ابن عامر «أن كيدي» على معنى لأجل أن كيدي، وقرأ جمهور الناس وسائر السبعة «إن كيدي» على القطع والاستئناف، ومَتِينٌ معناه قوي، قال الشاعر: [الطويل]
لإلّ علينا واجب لا نضيعه ... متين قواه غير منتكث الحبل
وروى ابن إسحاق في هذا البيت أمين قواه، وهو من المتن الذي يحمل عليه لقوته، ومنه قول الشاعر وهو امرؤ القيس: [المتقارب]
لها متنتان حظاتا كما ... أكبّ على ساعديه النمر
وهما جنبتا الظهر، ومنه قول الآخر:
عدلي عدول اليأس وافتج يبتلى ... أفانين من الهوب شد مماتن
ومنه قول امرئ القيس: [الطويل]
ويخدي على صم صلاب ملاطس ... شديدات عقد لينات متان
ومنه الحديث في غزوة بني المصطلق فمتن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس أي سار بهم سيرا شديدا لينقطع الحديث بقول ابن أبي بن سلول لئن رجعنا إلى المدينة.
وقوله: أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ الآية، تقرير يقارنه توبيخ للكفار، والوقف على قوله أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ثم ابتدأ القول بنفي ما ذكروه فقال: ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ أي بمحمد صلى الله عليه وسلم،