منهم، وحذف جواب، لَوْ إبهام بليغ، وقرأ جمهور السبعة والناس «يتوفى» بالياء فعل فيه علامة التذكير إلى مؤنث في اللفظ، وساغ ذلك أن التأنيث غير حقيقي، وارتفعت الْمَلائِكَةُ ب يَتَوَفَّى، وقال بعض من قرأ هذه القراءة إن المعنى إذ يتوفى الله الذين كفروا والْمَلائِكَةُ رفع بالابتداء، ويَضْرِبُونَ خبره والجملة في موضع الحال.
قال القاضي أبو محمد: ويضعف هذا التأويل سقوط واو الحال فإنها في الأغلب تلزم مثل هذا، وقرأ ابن عامر من السبعة والأعرج «تتوفى» بالتاء على الإسناد إلى لفظ «الملائكة» ، ويَضْرِبُونَ في موضع الحال، وقوله وَأَدْبارَهُمْ قال جمهور المفسرين يريد أستاههم، ولكن الله كريم كنى، وقال ابن عباس أراد ظهورهم وما أدبر منهم، ومعنى هذا أن الملائكة كانت تلحقهم في حال الإدبار فتضرب أدبارهم، فأما في حال الإقبال فبين تمكن ضرب الوجوه، وروى الحسن أن رجلا قال: يا رسول الله رأيت في ظهر أبي جهل مثل الشراك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ذلك ضرب الملائكة» ، وعبر بجمع الملائكة، وملك الموت واحد إذ له على ذلك أعوان من الملائكة، وقوله وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ قيل كانوا يقولون للكفار حينئذ هذا اللفظ فحذف يقولون اختصار، وقيل معناه وحالهم يوم القيامة أن يقال لهم هذا، والْحَرِيقِ فعيل من الحرق، وقوله تعالى: ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ يحتمل أن يكون من قول الملائكة في وقت توفيتهم لهم على الصورة المذكورة، ويحتمل أن يكون كلاما مستأنفا تقريعا من الله عز وجل للكافرين حيهم وميتهم، وَأَنَّ يصح أن تكون في موضع رفع على تقدير والحكم أن، ويصح أن تكون في موضع خفض عطفا على ما في قوله بِما قَدَّمَتْ، وقال مكي والزهراوي: ويصح أن تكون في موضع نصب بإسقاط الباء تقديره «وبأن» ، فلما حذفت الباء حصلت في موضع نصب.
قال القاضي أبو محمد: وهذا غير متجه ولا بيّن إلا أن تنصب بإضمار فعل، وقوله كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ الآية، الدأب: العادة في كلام العرب، ومنه قول امرئ القيس:[الطويل]
كدأبك من أم الحويرث قبلها ... وجارتها أم الرباب بمأسل
ويروى كدينك، ومنه قول خراش بن زهير العامري:
فما زال ذاك الدأب حتى تخاذلت ... هوازن وارفضّت سليم وعامر
وهو مأخوذ من دأب على العمل إذا لزمه، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم، لصاحب الجمل الذي هش إليه وأقبل نحوه وقد ذل ودمعت عيناه: إنه شكا إليّ أنك تجيعه وتدئبه فكأن العادة دؤوب ما، وقال جابر بن زيد وعامر الشعبي ومجاهد وعطاء: المعنى كسنن آل فرعون، ويحتمل أن يراد كعادة آل فرعون وغيرهم، فتكون عادة الأمم بجملتها لا على انفراد أمة، إذ آل فرعون لم يكفروا وأهلكوا مرارا بل لكل أمة مرة واحدة، ويحتمل أن يكون المراد كعادة الله فيهم، فأضاف العادة إليهم إذ لهم نسبة إليها يضاف المصدر إلى الفاعل وإلى المفعول، والكاف من قوله كَدَأْبِ يجوز أن يتعلق بقوله وَذُوقُوا وفيه بعد، والكاف على هذا في موضع نصب نعت لمصدر محذوف، ويجوز أن تتعلق بقوله قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وموضعها أيضا على هذا نصب كما تقدم، ويجوز أن يكون معنى الكلام الأمر مثل دأب آل فرعون فتكون الكاف في