للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخائنين، والسواء في كلام العرب قد يكون بمعنى العدل والمعدلة، ومنه قوله تعالى: إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ [آل عمران: ٦٤] ومنه قول الراجز: [الرجز]

فاضرب وجوه الغدر الأعداء ... حتى يجيبوك إلى السواء

وقد يكون بمعنى الوسط، ومنه قوله تعالى: فِي سَواءِ الْجَحِيمِ [الصافات: ٥٥] ومنه قول حسان بن ثابت: [الكامل]

يا ويح أنصار النبي ورهطه ... بعد المغيّب في سواء الملحد

وقوله تعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وعاصم والكسائي «ولا تحسبن» بالتاء مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم، وبكسر السين غير عاصم فإنه فتحها، والَّذِينَ كَفَرُوا مفعول أول، وسَبَقُوا مفعول ثان، والمعنى فأتوا بأنفسهم وأنجوها «إنهم لا يعجزون» بكسر ألف «إن» على القطع والابتداء، ويُعْجِزُونَ معناه مفلتون ويعجزون طالبهم، فهو معدى عجز بالهمزة تقول عجز زيد وأعجزه غيره وعجزه أيضا، قال سويد: [الوافر]

وأعجزنا أبو ليلى طفيل ... صحيح الجلد من أثر السلاح

وروي أن الآية نزلت فيمن أفلت من الكفار في حرب النبي صلى الله عليه وسلم، كقريش في بدر وغيرهم، فالمعنى لا تظنهم ناجين بل هم مدركون، وقيل معناه لا يعجزون في الدنيا، وقيل المراد في الآخرة، قال أبو حاتم وقرأ مجاهد وابن كثير وشبل «ولا تحسبن» بكسر التاء، وقرأ الأعرج وعاصم وخالد بن الياس «تحسبن» بفتح التاء من فوق وبفتح السين، وقرأ الأعمش «ولا يحسب» بفتح السين والياء من تحت وحذف النون، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع وأبو عبد الرحمن وابن محيصن وعيسى «ولا يحسبنّ» بياء من تحت وسين مكسورة ونون مشددة، وقرأ حفص عن عاصم وابن عامر وحمزة «ولا يحسبن» بالياء على الكناية عن غائب وبفتح السين، فإما أن يكون في الفعل ضمير النبي صلى الله عليه وسلم، أو يكون التقدير ولا يحسبن أحد، ويكون قوله الَّذِينَ كَفَرُوا مفعولا أولا وسَبَقُوا مفعولا ثانيا، وإما أن يكون الَّذِينَ كَفَرُوا هم الفاعلون، ويكون المفعول الأول مضمرا وسَبَقُوا مفعول ثان، وتقدير هذا الوجه ولا يحسبن الذين كفروا أنفسهم سبقوا، وإما أن يكون الَّذِينَ كَفَرُوا هو الفاعل وتضمر «أن» فيكون التقدير ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا، وتسد أن سبقوا مسد المفعولين، قال الفارسي: ويكون هذا كما تأوله سيبويه في قوله عز وجل قال أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ [الزمر: ٦٤] التقدير أن أعبد.

قال القاضي أبو محمد: ونحوه قول الشاعر: [الطويل]

ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى

قال أبو علي: وقد حذفت «أن» وهي مع صلتها في موضع الفاعل، وأنشد أحمد بن يحيى في ذلك:

[الطويل]

وما راعنا إلا يسير بشرطة ... وعهدي به قينا يفش بكير

<<  <  ج: ص:  >  >>