استطاعوا من ذلك، ولما كانت الخيل هي أصل الحروب وأوزارها والتي عقد الخير في نواصيها وهي أقوى القوة وحصون الفرسان خصها الله بالذكر تشريفا على نحو قوله مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ [البقرة: ٩٨] وعلى نحو قوله فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ [الرحمن: ٦٨] وهذا كثير، ونحوه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، هذا في البخاري وغيره، وقال في صحيح مسلم «جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا» ، فذكرت التراب على جهة التحفي به إذ هو أعظم أجزاء الأرض مع دخوله في عموم الحديث الآخر، ولما كانت السهام من أنجع ما يتعاطى في الحرب وأنكاه في العدو وأقربه تناولا للأرواح خصها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذكر والتنبيه عليها، وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:«إن الله تعالى يدخل بالسهم الواحد الثلاثة من المسلمين الجنة، صانعه والذي يحتسب في صنعته والذي يرمي به» وقال عمرو بن عنبسة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من رمى بسهم في سبيل الله أصاب العدو أو أخطأ فهو كعتق رقبة» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ارموا واركبوا، وأن ترموا أحب إليّ من أن تركبوا» . ورِباطِ الْخَيْلِ جمع ربط ككلب وكلاب، ولا يكثر ربطها إلا وهي كثيرة، ويجوز أن يكون الرباط مصدرا من ربط كصاح صياحا ونحوه لأن مصادر الثلاثي غير المزيد لا تنقاس، وإن جعلناه مصدرا من رابط فكأن ارتباط الخيل واتخاذها يفعله كل واحد لفعل آخر له فترابط المؤمنون بعضهم بعضا. فإذا ربط كل واحد منهم فرسا لأجل صاحبه فقد حصل بينهم رباط، وذلك الذي حض في الآية عليه، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«من ارتبط فرسا في سبيل الله فهو كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها» ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة، وقرأ الحسن وعمرو بن دينار وأبو حيوة «ومن ربط» بضم الراء والباء وهو جمع رباط ككتاب وكتب، كذا نصه المفسرون وفي جمعه وهو مصدر غير مختلف نظر وتُرْهِبُونَ معناه تفزعون وتخوفون، والرهبة الخوف، قال طفيل الغنوي:[البسيط]
ويل أم حيّ دفعتم في نحورهم ... بني كلاب غداة الرعب والرهب
ومنه راهب النصارى، يقال رهب إذا خاف، ف تُرْهِبُونَ معدى بالهمزة، وقرأ الحسن ويعقوب «ترهّبون» بفتح الراء وشد الهاء معدى بالتضعيف، ورويت عن أبي عمرو بن العلاء، قال أبو حاتم: وزعم عمرو أن الحسن قرأ «يرهبون» بالياء من تحت وخففها، فهو على هذا المعدى بالتضعيف، وقرأ ابن عباس وعكرمة «تخزون به عدو الله» .
قال القاضي أبو محمد: ذكرها الطبري تفسيرا لا قراءة، وأثبتها أبو عمرو الداني قراءة، وقوله عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ذكر الصفتين وإن كانت متقاربة إذ هي متغايرة المنحى، وبذكرهما يتقوى الذم وتتضح وجوه بغضنا لهم، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي «عدوا لله» بتنوين عدو وبلام في المكتوبة، والمراد بهاتين الصفتين من قرب وصاقب من الكفار وكانت عداوته متحركة بعد، ويجوز أن يراد بها جميع الكفار ويبين هذا من اختلافهم في قوله وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ الآية، قال مجاهد الإشارة بقوله وَآخَرِينَ إلى قريظة، وقال السدي: إلى أهل فارس، وقال ابن زيد: الإشارة إلى المنافقين، وقالت فرقة: الإشارة إلى الجن، وقالت فرقة: هم كل عدو للمسلمين غير الفرقة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يشرد بهم من خلفهم.