للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الآية هي بلا اختلاف نازلة عتابا على تخلف من تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، وكانت سنة تسع من الهجرة بعد الفتح بعام غزا فيها الروم في عشرين ألفا بين راكب وراجل، وتخلف عنه قبائل من الناس ورجال من المؤمنين كثير ومنافقون فالعتاب في هذه الآية هو للقبائل وللمؤمنين الذين كانوا بالمدينة، وخص الثلاثة كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية بذلك التذنيب الشديد بحسب مكانهم من الصحبة إذ هم من أهل بدر وممن يقتدى بهم، وكان تخلفهم لغير علة حسب ما يأتي، وقوله ما لَكُمْ استفهام بمعنى التقرير والتوبيخ، وقوله قِيلَ يريد النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن صرفه الفعل لا يسمى فاعله يقتضي إغلاظا ومخاشنة ما، و «النفر» هو التنقل بسرعة من مكان إلى مكان لأمر يحدث، يقال في ابن آدم نفر إلى الأمر ينفر نفيرا ونفرا، ويقال في الدابة نفرت تنفر بضم الفاء نفورا، وقوله اثَّاقَلْتُمْ أصله تثاقلتم أدغمت التاء في الثاء فاحتيج إلى ألف الوصل كما قال فَادَّارَأْتُمْ وكما تقول ازين، وكما قال الشاعر [الكسائي] : [البسيط]

تولي الضجيع إذا ما استافها خصرا ... عذب المذاق إذا ما اتّابع القبل

وقرأ الأعمش فيما حكى المهدوي وغيره «تثاقلتم» على الأصل، وذكرها أبو حاتم «تتثاقلتم» بتاءين ثم ثاء مثلثة، وقال هي خطأ أو غلط، وصوب «تثاقلتم» بتاء واحدة وثاء مثلثة أن لو قرىء بها، وقوله اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ عبارة عن تخلفهم ونكولهم وتركهم الغزو لسكنى ديارهم والتزام نخلهم وظلالهم، وهو نحو من أخلد إلى الأرض، وقوله: أَرَضِيتُمْ تقرير يقول أرضيتم نزر الدنيا على خطير الآخرة وحظها الأسعد، ثم أخبر فقال إن الدنيا بالإضافة إلى الآخرة قليل نزر، فتعطي قوة الكلام التعجب من ضلال من يرضى النزر بدل الكثير الباقي، وقوله إِلَّا تَنْفِرُوا الآية، إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ شرط وجواب، وقوله يُعَذِّبْكُمْ لفظ عام يدخل تحته أنواع عذاب الدنيا والآخرة، والتهديد بعمومه أشد تخويفا، وقالت فرقة يريد يعذبكم بإمساك المطر عنكم، وروي عن ابن عباس أنه قال: استنفر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبيلة من القبائل فقعدت فأمسك الله عنها المطر وعذبها به، و «أليم» بمعنى مؤلم بمنزلة قول عمرو بن معديكرب: [الوافر] أمن ريحانة الداعي السميع وقوله وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ توعد بأن يبدل لرسول الله صلى الله عليه وسلم قوما لا يقعدون عند استنفاره إياهم، والضمير في قوله وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً عائد على الله عز وجل أي لا ينقص ذلك من عزه وعز دينه، ويحتمل أن يعود على النبي صلى الله عليه وسلم وهو أليق، وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أي على كل شيء مقدور وتبديلهم منه ليس بمحال ممتنع.

<<  <  ج: ص:  >  >>