للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الناظر فيخلط عليه عقيدته فربما أدى إلى شك وحيرة وربما أدى إلى علم ما في النازلة التي هو فيها، ألا ترى أن قول الهذلي:

كأني أريته بريب لا يتجه أن يفسر بشك قال الطبري: وكان جماعة من أهل العلم يرون أن هاتين الآيتين منسوختان بالآية التي ذكرنا في سورة النور، وأسند عن الحسن وعكرمة أنهما قالا في قول لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ [التوبة: ٤٤] إلى قوله فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ نسختها الآية التي في النور،، إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [الآية: ٦٢] إلى إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور: ٦٢] .

قال القاضي أبو محمد: وهذا غلط وقد تقدم ذكره، وقوله تعالى: وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ الآية، حجة على المنافقين، أي ولو أرادوا الخروج بنياتهم لنظروا في ذلك واستعدوا له قبل كونه، و «العدة» ما يعد للأمر ويروى له من الأشياء، وقرأ جمهور الناس «عدة» بضم العين وتاء تأنيث، وقرأ محمد بن عبد الملك بن مروان وابنه معاوية بن محمد «عده» بضم العين وهاء إضمار يريد «عدته» فحذفت تاء التأنيث لما أضاف، كما قال «وأقام الصلاة» يريد وإقامة الصلاة، هذا قول الفراء، وضعفه أبو الفتح وقال إنما حدف تاء التأنيث وجعل هاء الضمير عوضا منها، وقال أبو حاتم: هو جمع عدة على عد، كبرة وكبر ودرة ودر، والوجه فيه عدد ولكن لا يوافق خط المصحف، وقرأ عاصم فيما روى عنه أبان وزر بن حبيش «عده» بكسر العين وهاء إضمار وهو عندي اسم لما يعد كالريح والقتل لأن العدو سمي قتلا إذ حقه أن يقتل هذا في معتقد العرب حين سمته، وانْبِعاثَهُمْ نفوذهم لهذه الغزوة، و «التثبيط» التكسيل وكسر العزم، وقوله وَقِيلَ، يحتمل أن يكون حكاية عن الله تعالى أي قال الله في سابق قضائه اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ، ويحتمل أن يكون حكاية عنهم أي كانت هذه مقالة بعضهم لبعض إما لفظا وإما معنى، فحكي في هذه الألفاظ التي تقتضي لهم مذمة إذ القاعدون النساء والأطفال، ويحتمل أن يكون عبارة عن إذن محمد صلى الله عليه وسلم، لهم في القعود، أي لما كره الله خروجهم يسر أن قلت لهم اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ، والقعود هنا عبارة عن التخلف والتراخي كما هو في قول الشاعر:

واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي وليس للهيئة في هذا كله مدخل، وكراهية الله انبعاثهم رفق بالمؤمنين وقوله تعالى: لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ الآية، خبر بأنهم لو خرجوا لكان خروجهم مضرة، وقوله إِلَّا خَبالًا استثناء من غير الأول، وهذا قول من قدر أنه لم يكن في عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم خبال، فيزيد المنافقون فيه، فكأن المعنى ما زادوكم قوة ولا شدة لكن خبالا، ويحتمل أن يكون الاستثناء غير منقطع وذلك أن عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، في غزوة تبوك كان فيه منافقون كثير ولهم لا محالة خبال، فلو خرج هؤلاء لا لتأموا مع الخارجين فزاد الخبال، والخبال الفساد في الأشياء المؤتلفة الملتحمة كالمودات وبعض الأجرام، ومنه قول الشاعر: [الكامل]

يا بني لبينى لستما بيد ... إلّا يدا مخبولة العضد

<<  <  ج: ص:  >  >>