للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هذا سميت مراد لأنها تمردت، وقال بعض الناس: يقال تمرد الرجل في أمر كذا إذا تجرد له، وهو من قولهم شجرة مرداء إذا لم يكن عليها ورق، ومنه رْحٌ مُمَرَّدٌ

[النمل: ٤٤] ومنه قولهم: تمرد مارد وعز الأبلق ومنه الأمرد الذي لا لحية له، فمعنى مَرَدُوا في هذه الآية لجوا فيه واستهتروا به وعتوا على زاجرهم، ثم نفى عز وجل علم نبيه بهم على التعيين، وأسند الطبري عن قتادة في قوله لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ قال: فما بال أقوام يتكلفون علم الناس فلان في الجنة فلان في النار فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال لا أدري، أنت لعمري بنفسك أعلم منك بأعمال الناس، ولقد تكلفت شيئا ما تكلفه الرسل، قال نبي الله نوح صلى الله عليه وسلم وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ [الشعراء: ١١٢] وقال نبي الله شعيب صلى الله عليه وسلم بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ [هود: ٨٦] وقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ.

قال القاضي أبو محمد: وقوله تعالى: سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلى عَذابٍ عَظِيمٍ في مصحف أنس بن مالك «سيعذبهم» بالياء والكلام على القراءتين وعيد، واللفظ يقتضي ثلاثة مواطن من العذاب، ولا خلاف بين المتأولين أن «العذاب العظيم» الذي يردون إليه هو عذاب الآخرة، وأكثر الناس أن العذاب المتوسط هو عذاب القبر، واختلف في عذاب المرة الأولى فقال مجاهد وغيره: هو عذابهم بالقتل والجوع، وهذا بعيد لأن منهم من لم يصبه هذا، وقال ابن عباس أيضا: عذابهم هو بإقامة حدود الشرع عليهم مع كراهيتهم فيه، وقال ابن إسحاق: عذابهم هو همهم بظهور الإسلام وعلو كلمته، وقال ابن عباس وهو الأشهر عنه: عذابهم هو فضيحتهم ووصمهم بالنفاق، وروي في هذا التأويل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم جمعة فندد بالمنافقين وصرح وقال اخرج يا فلان من المسجد فإنك منافق واخرج أنت يا فلان واخرج أنت يا فلان حتى أخرج جماعة منهم، فرآهم عمر يخرجون من المسجد وهو مقبل إلى الجمعة فظن أن الناس انتشروا وأن الجمعة فاتته فاختبأ منهم حياء، ثم وصل إلى المسجد فرأى أن الصلاة لم تقض وفهم الأمر.

قال القاضي أبو محمد: وفعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا بهم هو على جهة التأديب اجتهادا منه فيهم، ولم يسلخهم ذلك من الإسلام وإنما هو كما يخرج العصاة والمتهمون، ولا عذاب أعظم من هذا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يتكلم فيهم على الإجمال دون تعيين، فهذا أيضا من العذاب، وقال قتادة وغيره: العذاب الأول هي علل وأدواء أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أنه يصيبهم بها، وأسند الطبري في ذلك عن قتادة أنه قال ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أسرّ إلى حذيفة باثني عشر رجلا من المنافقين وقال «ستة منهم تكفيكهم الدبيلة سراج من نار جهنم تأخذ في كتف أحدهم حتى تقضي إلى صدره، وستة يموتون موتا» ، ذكر لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا مات رجل ممن يظن أنه منهم نظر إلى حذيفة فإن صلى صلى عمر عليه وإلا ترك.

وذكر لنا أن عمر رضي الله عنه قال لحذيفة أنشدك بالله أمنهم أنا؟ قال لا والله ولا أؤمن منها أحدا بعدك؟ وقال ابن زيد في قوله تعالى: سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ أما عذاب الدنيا فالأموال والأولاد، لكل صنف

<<  <  ج: ص:  >  >>