وقالت طائفة: إن إبليس لم يدخل الجنة إلى آدم بعد أن أخرج منها، وإنما أغوى آدم بشيطانه وسلطانه ووساوسه التي أعطاه الله تعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم» . والضمير في عَنْها عائد على الشَّجَرَةَ في قراءة من قرأ «أزلهما» ، ويحتمل أن يعود على الْجَنَّةَ فأما من قرأ أزالهما فإنه يعود على الْجَنَّةَ فقط، وهنا محذوف يدل عليه الظاهر، تقديره فأكلا من الشجرة.
وقال قوم: «أكلا من غير التي أشير إليها فلم يتأولا النهي واقعا على جميع جنسها» .
وقال آخرون: «تأولا النهي على الندب» .
وقال ابن المسيب: «إنما أكل آدم بعد أن سقته حواء الخمر فكان في غير عقله» .
وقوله تعالى: فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ يحتمل وجوها، فقيل أخرجهما من الطاعة إلى المعصية.
وقيل: من نعمة الجنة إلى شقاء الدنيا. وقيل: من رفعة المنزلة إلى سفل مكانة الذنب.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كله يتقارب.
وقرأ أبو حيوة: «اهبطوا» بضم الباء. «ويفعل» كثير في غير المتعدي وهبط غير متعدّ. والهبوط النزول من علو إلى أسفل.
واختلف من المخاطب بالهبوط، فقال السدي وغيره: «آدم وحواء وإبليس والحية» .
وقال الحسن: «آدم وحواء والوسوسة» .
قال غيره: «والحية لأن إبليس قد كان أهبط قبل عند معصيته» .
وبَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ جملة في موضع الحال، وإفراد لفظ عَدُوٌّ من حيث لفظ بعض، وبعض وكل تجري مجرى الواحد، ومن حيث لفظة عَدُوٌّ تقع للواحد والجمع، قال الله تعالى: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ [المنافقون: ٤] وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ أي موضع استقرار قاله أبو العالية وابن زيد.
وقال السدي: «المراد الاستقرار في القبور، والمتاع ما يستمتع به من أكل ولبس وحياة، وحديث، وأنس، وغير ذلك» . وأنشد سليمان بن عبد الملك حين وقف على قبر ابنه أيوب إثر دفنه: [الطويل]
وقفت على قبر غريب بقفرة ... متاع قليل من حبيب مفارق
واختلف المتأولون في الحين هاهنا فقالت فرقة: إلى الموت، وهذا قول من يقول المستقر هو المقام في الدنيا، وقالت فرقة: إِلى حِينٍ إلى يوم القيامة، وهذا قول من يقول: المستقر هو في القبور. ويترتب أيضا على أن المستقر في الدنيا أن يراد بقوله: وَلَكُمْ، أي لأنواعكم في الدنيا استقرار ومتاع قرنا بعد قرن إلى يوم القيامة، والحين المدة الطويلة من الدهر، أقصرها في الأيمان والالتزامات سنة.
قال الله تعالى: تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها [إبراهيم: ٢٥] وقد قيل: أقصرها ستة أشهر، لأن من النخل ما يثمر في كل ستة أشهر، وقد يستعمل الحين في المحاورات في القليل من الزمن.